توابع فضيحة "كان" تؤرق الاشتراكيين... وآفاق الجوار الصعب بين السودانَين! محاولات الحزب الاشتراكي الفرنسي احتواء توابع قضية "دومينيك ستروس كان"، ومستقبل العلاقة بين الخرطوم وجوبا، واستمرار احتجاجات الشارع السوري، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. حراك الحزب الاشتراكي شن الكاتب "إيفان ريوفول" في عموده بصحيفة لوفيغارو اليمينية ما يشبه الحملة السياسية والدعائية المكشوفة على الحزب الاشتراكي، أكبر أحزاب اليسار الفرنسي، وخاصة لجهة التداعيات المستمرة لقضية المرشح السابق، والمتهم الآن "دومينيك -ستروس كان" الذي كان يعتبر حتى يوم توقيفه في نيويورك بمثابة المرشح الأوفر حظّاً لخوض حملة الرئاسيات السنة المقبلة، على بطاقة ترشيح الحزب الاشتراكي. وفي سياق الحملة دعا "ريوفول" قيادات الحزب إلى استخلاص الدروس العميقة الكامنة في واقعة اعتقال "كان"، ولعل أول تلك الدروس هو أن يعرف اليسار وصحافته أن الإنصاف يقتضي الامتناع عن التهجم المجاني على ساركوزي، بمناسبة وبغير مناسبة، كما يقتضي أيضاً أخذ جرعة مناسبة من النقد الذاتي لسياسات وتوجهات اليسار. وفي موضوع "ستروس كان" تحديداً ذهب الكاتب إلى أن ساسة اليسار الذين تحدث بعضهم، صراحة أو ضمناً، عن احتمال أن يكون "كان" وقع ضحية مؤامرة من نوع ما أريد من ورائها توريطه، ربما كان يتعين عليهم الاعتراف بالحقيقة، وهي أن مدير صندوق النقد الدولي السابق إنما وقع ضحية لتصرفاته، وسوء تقديره للأمور. فمن كان يطمح للترشح لأكبر مسؤولية في فرنسا كان يفترض أن ينأى بنفسه عن جميع أنواع الشبهات والمطبات القانونية والأخلاقية. والآن بعد ظهور بوادر انفراج في طريقة تعامل القضاء الأميركي معه، حيث أفرج عنه من دون كفالة بعد التشكك في صدق بعض إفادات الشاكية، عاملة التنظيف في الفندق، وحتى لو افترضنا أنه خرج من هذه القضية بالبراءة، وعاد إلى فرنسا، فإن في انتظاره شكوى قضائية أخرى أيضاً رفعتها ضده شابة فرنسية، وجهت إليه التهمة ذاتها. ولا حاجة للتذكير بأن رجل سياسة طموحاً مثل "كان"، إذا فشل في التغلب على نقاط الضعف الشديدة في سلوكه الشخصي، وسمح لنفسه بالتلاعب بالنار، فلا يلومن حينها إلا نفسه. ومرة أخرى، حتى لو عاد بصك براءة فإن فرصه في العودة إلى قائمة ترشيحات الحزب الاشتراكي باتت شبه منعدمة، وخاصة أن الزعامات الاشتراكية دخلت عمليّاً في سباق الترشيحات الأولية لانتزاع بطاقة ترشيح الحزب، وفي هذه الحالة من غاب.. غاب سهمه. وينتهي الكاتب، إلى أن تشكك القضاء الأميركي في كذب بعض ما أفادت به العاملة المدعية على "كان" لا يعني بالضرورة أن المحكمة ستبرئه، لأن كذب بعض أقوال تلك المرأة لا يعني بالضرورة أنها لم تتعرض لمحاولة اغتصاب. وفي سياق متصل ذهب الكاتب نيكولا ديموران في افتتاحية صحيفة ليبراسيون إلى أن الاشتراكيين، على ما يبدو، قد طووا صفحة فضيحة "كان" وقرروا احتواء تداعياتها السلبية على صورة الحزب أمام جمهوره، ولذا فقد انخرطوا رأساً في أجواء الانتخابات التمهيدية، واضعين في الاعتبار النقاط الأكثر جاذبية وأولوية لدى الجمهور. واليوم بعد أن خرج من الحلبة "كان"، الذي طالما اعتبر إعلاميّاً ومن واقع استطلاعات الرأي المرشح الأوفر حظّاً للرئاسة بين جميع الزعامات الاشتراكية، عاد السجال الداخلي الاشتراكي ليحتدم، وتبدو المنافسة صعبة، ويصعب الحكم، في هذه المرحلة المبكرة من الحملة، على اتجاهها، أو من سيفوز في النهاية ببطاقة ترشيح الحزب. تحديات جنوب السودان غطت الصحف الفرنسية بكثافة الإعلان عن قيام دولة جنوب السودان، التي أصبحت اعتباراً من يوم أمس، السبت، هي الدولة رقم 193 على صعيد عالمي. وزيادة على التغطيات الخبرية، ركز كتاب الافتتاحيات وأعمدة الرأي أيضاً على إبراز التحديات التنموية والسياسية الهائلة التي تنتظر الدولة الناشئة الجديدة، وكذلك مستقبل الجيرة الصعبة المنتظرة بينها وبين السودان الشمالي. صحيفة لوموند تساءلت في عنوان تحليل سياسي نشرته يوم أمس: "ما العلاقات المنتظرة بين السودان ودولة جنوب السودان الجديدة؟"، قالت فيه إن من الأمور المشجعة إعلان الخرطوم اعترافها بنتيجة الاستفتاء واستقلال جمهورية جنوب السودان، وقد أقدمت على ذلك ببيان حكومي واضح صدر يوم الجمعة الماضي، وهو اليوم السابق مباشرة على يوم إعلان الاستقلال. ولكن على رغم هذا الموقف السياسي الشجاع، إلا أن ثمة تعقيدات كثيرة وبؤر احتكاك وتصعيد محتملة بين الطرفين، حيث ما زالت قضايا حساسة معلقة، تنتظر الحسم مثل الخلاف على منطقة "آبيي" ونقاط حدودية أخرى، هذا إضافة إلى عدم حسم كيفية اقتسام الموارد النفطية والبنية التحتية المتصلة بها، وكذلك طريقة اقتسام ديون السودان الخارجية. وفي كثير من الملفات الشائكة يواجه الرئيس البشير مواقف حادة من التيار الأكثر تشدداً في حكومته وحزبه وضمن أسرته السياسية. وكذلك ثمة ضغوط قوية مصدرها الجيش السوداني الذي أظهرت الطريقة القوية التي وضع بها اليد على "آبيي" مؤخراً أن موقفه من موضوع المفاصلة مع الجنوب، لابد أن يوضع في الاعتبار هو أيضاً ضمن توازنات دوائر صنع القرار في الخرطوم. ومن جانبها اعتبرت صحيفة لوفيغارو في تغطية لأجواء إعلان قيام دولة جنوب السودان أن هذا البلد لا يبدو جاهزاً، من حيث البنية التحتية والمؤسسات، لكي يعتمد على نفسه، كما أن كل المؤشرات توحي بأن طريقه إلى المستقبل غير مفروشة بالورود. ولتقريب حجم التحديات السياسية والتنموية التي تواجه جنوب السودان يكفي أن نتذكر أن 80 في المئة من السكان يعانون من وباء الأمية الأبجدية، كما أن 90 %يعيشون تحت خط الفقر، ولذا فقد حجزت هذه الدولة الجديدة تلقائيّاً مكانها في مؤخرة ذيل أفقر دول العالم. وأكثر من هذا أن هنالك الكثير من دواعي الاعتقاد بأن ثمة صراعات سياسية واجتماعية داخلية بين الفصائل والإثنيات داخل الجنوب نفسه يمكن أن تنفجر لأي سبب، هذا عدا عن احتمال الدخول في صراع مرير مع الشمال بسبب قضايا الحدود، وقسمة النفط، وملف "آبيي" الشائك... وغيرها. المخاض السوري العسير رجحت صحيفة لوموند أن يزداد الاحتقان وتتسع حركة الاحتجاج في سوريا، نظراً إلى المنحنى المتصاعد للاحتجاجات وعدم فاعلية استجابة النظام لاستحقاقات الأزمة السياسية والاجتماعية المستحكمة. واعتبرت الصحيفة أن ثمة ظاهرة ملفتة في حراك الشارع السوري هي عدم وجود قيادة أو إدارة محركة للتظاهرات والاحتجاجات، حيث لا تبدو في الصورة أي من قوى المعارضة، بشكل يسمح بالقول إنها في وضع يسمح لها بالتحكم في الاتجاه العام لتيار الرفض والاحتجاج. وفي مواجهة آلة النظام المؤثرة أمنيّاً وعسكريّاً وإعلاميّاً لا يمتلك المحتجون من وسائل المواجهة سوى التعويل على القليل مما تتيحه وسائل الاتصال الحديثة، لتمرير بعض الأخبار، ومن ثم اكتساب تعاطف الرأي العام، وتأييد بعض القوى الدولية المؤثرة. والحقيقة أن غياب القيادة المنظمة، والافتقار إلى أسباب التحرك والدعم، تمثل في الواقع عناصر ضعف للمحتجين بل هي "كعب أخيل" الربيع السوري، وفي ذات الوقت عناصر داعمة لاستراتيجية النظام السوري. وأكثر من هذا يستند النظام أيضاً في جهوده الرامية إلى حرمان معارضيه من أي دعم خارجي على ادعاء كون من يحركون الشارع "عناصر أصولية"، و"جماعات مسلحة" و"مخربين" رافعاً بصفة ضمنية شعار "إما أنا... أو العنف والاضطراب". والحقيقة أن سوريا الحديثة منذ ظهورها كدولة مع نهاية العقد الثاني من القرن العشرين، تقول الصحيفة، عانت بشكل مرير من مخاوف الفتن الطائفية، كما عرفت قبل وصول نظام الأسد إلى الحكم سلسلة انقلابات كثيرة. والآن يراهن كثيرون على أن الطبقة الوسطى السورية، هي من سيمسك في النهاية زمام المبادرة، أخذاً في الاعتبار غياب القيادة والإدارة عن حراك الشارع، وبانتظار ذلك يبقى مآل الربيع السوري معلقاً، ومفتوحاً على أكثر من احتمال. إعداد: حسن ولد المختار