الحراك الاحتجاجي في بعض الدول العربية فشل إلى الآن في إعادة الحياة الاقتصادية والأمنية والخدمية إلى وضعها الطبيعي. لا خلاف حول نجاحه في كل من مصر وتونس حيث أسقط النظامين الاستبداديين هناك، وحيث بدأت محاكمة رموز الفساد السابقين، لكن ذلك لا يعني إمكانية نجاح الثورة وبدء مرحلة جديدة بدون وجود اقتصاد متين ومؤسسات اقتصادية فعالة. أداء الدول العربية في مجال الاقتصاد متواضع أصلا ما عدا الدول النفطية التي يعتمد معظمها بشكل مفرط على مصدر واحد للدخل. والسؤال هو: كيف يمكن تحقيق اقتصاد جيد في دول مثل تونس ومصر وسوريا واليمن التي لا تملك نفطاً وفيراً ولديها مشاكل سياسية واجتماعية جمة؟ دول "الربيع العربي" التي شهدت ثورات، تواجه اليوم إشكاليات جديدة، منها الإشكالية الدستورية، وطموح الحركات السياسية الحديثة في الوصول إلى السلطة دون امتلاك رؤية متكاملة لكيفية التصدي للمشاكل المتراكمة! كل هذه المشاكل السياسية والقانونية يمكن حلها بالحوار الهادئ حتى تتمكن الأطراف المختلفة من التوصل لحلول ترضي الجميع. لكن ماذا عن الاقتصاد؟ وكيف يمكن إعادة الثقة للاقتصاد في ظل أجواء سياسية مشحونة بالمظاهرات والاحتجاجات والإضرابات العمالية وتعطل المصانع وإقفال البورصات؟ كيف يمكن تلبية مطالبات شباب الثورة بالوظائف وتحسين المستوى المعيشي؟ المجلس العسكري الحاكم في مصر كان محقاً في تحذيراته من استمرار محاولات التأزيم، فالبعض يطالب بإصلاحات دستورية، والبعض الآخر يريد إجراء الانتخابات أولاً، ولا أحد يفكر في كيفية استعادة الهدوء والاستقرار حتى يتحرك الاقتصاد. لدينا مثل شائع في الكويت يقول "ذهبت السكرة وجاءت الفكرة"، بمعنى أن الثورة السياسية نجحت، لكن كيف يمكن إعادة بناء الاقتصاد من جديد؟! المؤسسات والنظم والدساتير لا تُبنى في أجواء مضطربة، والاستقرار يبدأ عندما يلتزم الجميع ببناء دولة القانون ويطرح أفكاراً جديدة حول كيفية زيادة الإنتاج وتحسين أوضاع العمال وضمان حقوقهم. الأوضاع الاقتصادية في كل من تونس ومصر بعد 6 أشهر على الثورة ليست واضحة، فالتقارير الصحفية تشير إلى تحسن اقتصادي في تونس، حيث انتعشت السياحة نسبياً، وكذلك الصناعة والزراعة، لكن بقيت نسبة البطالة مرتفعة. أما في مصر فيحتدم الجدل حول السياسات الاقتصادية التي يجب انتهاجها. فبعض النقابات العمالية والطبقات الفقيرة، يطالبون بعودة الاشتراكية الناصرية، وإعادة تأميم المصانع والشركات التي جرى تخصيصها في عهد السادات ومبارك، وبحد أدنى للأجور لا يقل عن 1200 جنيه مصري. لكن العودة إلى الاشتراكية وسياسة التأميم تعني ببساطة انحسار الاستثمارات الأجنبية؛ فلا أحد ينكر أن الخصخصة واكبتها بعض السلبيات التي يفترض إصلاحها، لكن أيضاً لا يمكن العودة للنظام الاقتصادي القديم بينما يتجه النظام الاقتصادي العالمي -وبلا رجعة- نحو الخصخصة والانفتاح الاقتصادي. فحتى الصين الشيوعية تبنت مسار الاقتصاد الحر، وسمحت للشركات بالعمل بحرية لزيادة الإنتاج حتى أصبحت تقود الاقتصاد العالمي اليوم. المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصري أعلن الشهر الماضي أنه سيطبق قراره بمنع الإضرابات، وقد تم قمع عدد كبير منها بالقوة، رغم أن التدهور مرتبط بانهيار السياحة، وعودة 500 ألف عامل من ليبيا. لا أحد يعرف ما هو اتجاه الثورة المصرية في المجال الاقتصادي، لكن الأمر المؤكد أن دول العالم الثالث لن تعود إلى أيام الاشتراكية. الخبراء الاقتصاديون يؤكدون أن العالم مستعد لاقتصاد عالمي متعدد الأقطاب، والدليل على ذلك ازدهار اقتصاد البرازيل وروسيا والصين والهند وكوريا الجنوبية، وكلها تقريباً من دول العالم الثالث. نأمل أن يركز العرب على تحسين الاقتصاد.