مع بزوغ ربيع التغيير في الوطن العربي، ومع ازدياد الضغط على الحكومات التي فشلت في التنمية الإنسانية للفرد، برزت أهمية الحوار مع الشعب من أجل مستقبل أفضل لتلك الدول. وفي حقيقة الأمر أن بعض الأقطار العربية صادقة في حوارها مع الشعب، ويتمثل هذا الصدق في طيب العلاقة فيها بين الحاكم والمحكوم والهدف العام من ذلك الحوار المعلن الاستقرار لتلك الدول، وفي الوقت نفسه مزيد من الإصلاح السياسي الذي يجعل المواطن جزءاً غير مغيب من العملية السياسية في وطنه. وفي المقابل هناك حوار في دول شمولية كان الهدف منه بقاء الوضع على ما هو عليه، فمع مَنْ مِنَ الناس يكون الحوار ناجحاً، ولم يفشل الحوار مع البعض الآخر. من أول عوامل فشل الحوار على المستوى الإنساني تأتي سمة العلو والكبر، فالمتكبر يرى الناس صغاراً في عينه، وأنه تنازل كثيراً عندما وافق على الحوار معهم، لقد سمعنا بعض الزعماء العرب يصف شعبه بأسوأ الصفات فهم "جرذان" عند البعض وفئران، كما صرح زعيم آخر. وسمعنا ألفاظاً لا أريد أن أزعجكم بها، ويبدو لي أن قائمة الشتائم التي انهالت على بعض الشعوب العربية بينت نفسية الاستكبار، التي كان الزعيم ينظر من خلالها لشعبه. وفي المقابل رأينا قادة آخرين يستخدمون ألفاظاً راقية مثل أخواني أبنائي وقس على ذلك مرادفات رائعة. نفسية الاستعلاء والكبر، تبين للطرف الآخر أن الهدف من الحوار ليس التطوير والبناء بل البقاء. ففرعون من قبلهم كان يقول لقومه: "ما أريكم إلا ما أرى". ومع هذا، فقد حاوره موسى في سبعة مواطن، ولكن نفسية الاستكبار أعمت عقله حتى هلك. ومن بعده جاءت أقوام من أهل الكِبر، قال عنهم الله تعالى في القرآن الكريم:"وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً، وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين" سورة النمل 14. السبب الآخر لفشل الحوار يكمن في التطرف، فهو من السمات التي تغلق العقل عن الحوار الناجح. وقد تبين بالاستقراء أن المتطرف في فكره لن يقبل منك إلا ما ناسب عقله، لأن الهدف من الحوار لديه، لا يكمن في الوصول للحق، بل في إقناع الطرف الآخر بوجهة نظره القاصرة في جل الأوقات عن استماع النصح. التطرف يجعل ذلك الإنسان سلبياً في توجه تجاه الطرف الآخر، فهو لا يرى منه إلا كل قصور، ويعتقد دائماً أن الحق لن يكون مع الآخر، هذه النفسية تجعل الحوار فاشلاً، وتدفع صاحبها في بعض الأوقات إلى الكذب الذي يضحك العقلاء منه، فهو يزور الحقائق كما رأينا في إعلام بعض الدول العربية، حتى بات الناس يضحكون عليهم من كثرة كذبهم. حولت بعض الأنظمة العربية مواطنيها إلى قطاع طرق، وشلة مخربين مندسين بين المواطنين الذين يريدون الحرية. ومتى ما بدا المحاور في اختراع الفريات، وبث الإشاعات، فهذه علامة واضحة على فشل طريق الحوار معه.