عندما قدِمت إلى غانا بداية الصيف الجاري للتدريس، وجدت سؤالاً يتردد كثيراً في الصحافة المحلية: من هو الإمبريالي الخائن الذي يشن الحرب على أفريقيا؟ الجواب في نظر العديد من الأفارقة والغانيين هو الرئيس الأميركي أوباما، بسبب قصفه ليبيا في إطار عمليات حلف شمال الأطلسي. فرغم التفويض الأممي لهذه الخطوة، يعتقد الغانيون أنها خيانة كبرى في حق القارة الأفريقية التي ترجع إليها أصول أوباما. وهو تغير كبير مقارنة بما كان عليه الوضع في عام 2009 عندما زار أوباما هذا البلد الأفريقي وألقى خطاباً أمام البرلمان. وقتها احتفى به الغانيون وعلت صور الرئيس الأميركي البيوت والمحلات التجارية، فضلاً عن القمصان الرياضية التي تزينت بكلمات أوباما. لكن يبدو أن شهر العسل الذي جمع أوباما بالأفارقة، وبخاصة الغانيين الذين تعلقوا به واعتبروه ابناً باراً للقارة السمراء، ولّى دون رجعة، وقد بدأ التغير الكبير في المشاعر عندما انطلقت الطائرات الأميركية فوق طرابلس لقصف قوات القذافي ومنعه من التنكيل بالمدنيين. ومع أن الرواية الرسمية لحلف شمال الأطلسي التي وافق عليها مجلس الأمن، هي حماية المدنيين من عنف قوات القذافي، ينظر الغانيون بعين الشك إلى ذلك، معتبرين أن الهدف يكمن في الحصول على نفط ليبيا والتغلغل في القارة الأفريقية فيما يشبه الأطماع الاستعمارية القديمة للقوى الغربية التي مازالت ذكريات ممارساتها ماثلة في أذهان الأفارقة. بيد أن قصف "الناتو" لليبيا ومشاركة أميركا في عملياته، لا يفسران لوحدهما تراجع النظرة الإيجابية للغانيين حيال أوباما، بل يحكمها أيضاً حب يكنه بعض الأفارقة للقذافي باعتباره أحد المدافعين عن أفريقيا ومن المانحين لبلدانها الفقيرة. فقد رحب قطاع واسع من الأفارقة بدعوة القذافي، عام 1999، لإنشاء اتحاد أفريقي فدرالي سماه "الولايات المتحدة الأفريقية" بمؤسسات موحدة، من جيش وعملة وحكومة. هذه النظرة الوحدوية تذكر العديد من الغانيين ببطل التحرير "كوامي نيكروما" الذي قاد النضال الوطني من أجل التحرر واستقلال البلاد عن الاستعمار، لكن "نيكروما" لم يقصر دعوته على تحرير غانا، بل كان من أشد المدافعين عن الوحدة الأفريقية، رابطاً بين تحرر الشعوب الأفريقية في جميع أنحار القارة وبين قيام الوحدة الأفريقية، بحيث يبدو أن "نيكروما" تأثر بمقولات حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة عندما كان يتابع دراسته بها، وسعى إلى تطبيق الأفكار التحررية على الشعوب الأفريقية. غير أن رفع الشعارات والهتاف بالوحدة الأفريقية كان دائماً أسهل من التطبيق الحقيقي، إذ سرعان ما ظهر التناقض بين دعوات التحرر من الاستعمار التي رفعها "نيكروما" وبين قمعه للمعارضة الداخلية والزج برموزها في السجن وحرمان شعبه من الحرية السياسية بعد إقامته نظام الحزب الواحد، وهو ما سرع الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 1966. لكن رغم ذلك مازالت أفكار الوحدة الأفريقية متجذرة لدى الغانيين، وهو ما يفسر تعاطفهم مع القذافي واستياءهم من حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، استياء انعكس مؤخراً في اجتماع الاتحاد الأفريقي الذي أدان فرنسا بسبب إنزالها أسلحة للثوار الليبيين. ومع أن بعض القادة الأفارقة استنكر العنف الذي يمارسه القذافي ضد شعبه، فإن التعاطف مع نظامه يظل ملحوظاً في بعض الأوساط. جونثان زيمرمان أستاذ التربية والتاريخ بجامعة نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"