على مدار التاريخ شكلت المعادن النفيسة مخزناً للقيمة المادية بسبب ندرتها وخصائصها الكيميائية المميزة، المتمثلة في انخفاض قابليتها للتفاعل مع العناصر الأخرى -مع ما ينتج عنه من تأكسد وصدأ- بالإضافة إلى تمتعها ببريق لامع، وقابليتها للسحب والطرق، وارتفاع درجة انصهارها. وهذه الخصائص جعلت من المعادن النفيسة تاريخيّاً الوسيط الأساسي في العملات المعبرة عن القيمة، وإن كانت حديثاً قد اتسع نطاق استخدامها ليجعلها أحد المكونات المهمة في الأوعية الاستثمارية، وجزءاً مهمّاً من المواد الصناعية. ويعتبر الذهب والفضة و"البلاتينيوم" أشهر المعادن النفيسة، بسبب استخدام هذه الحزمة من المعادن بالذات عبر العصور كعملات مالية، وإن كانت مجموعة المعادن النفيسة تضم أيضاً معادن أخرى، مثل "الباليديوم"، و"الآيريديوم"، و"الأوزميوم"، وغيرها. وأحياناً ما يستخدم مصطلح المعادن النبيلة للتعبير عن خاصية انخفاض قابلية المعدن للصدأ والتأكسد، وإن كان الحصول على صفة معدن نفيس يتطلب أيضاً بالإضافة إلى انخفاض القابلية للتفاعل مع العناصر الأخرى ندرة هذا المعدن في القشرة الأرضية. وذا يعني أن كل معدن نفيس يعتبر معدناً نبيلاً، وإن كان العكس غير صحيح، حيث تتوفر بعض المعادن النبيلة بكثرة، مما ينزع عنها صفة "النفيس". وفي الآونة الأخيرة تردد في وسائل الإعلام بشكل متكرر استخدام مصطلح المعادن النادرة، الذي يشير إلى 17 عنصراً كيميائيّاً، تكتسي أهمية فائقة في التطبيقات والصناعات التكنولوجية الحديثة. وهذه العناصر ليست في الحقيقة نادرة بالمفهوم الدارج، بل تتوفر بشكل واسع جدّاً في مكونات القشرة الأرضية، وما يندر هو تواجدها في تركيزات مرتفعة، بدرجة تجعل تعدينها واستخراجها ذا جدوى اقتصادية، وهو ما يعني أن ندرتها تبقى في الحقيقة ندرة نسبية. وبخلاف ندرتها، تكتسي أيضاً المعادن النادرة أهمية فائقة في الحياة العصرية الحديثة، حيث لا يخلو تقريباً منزل أو مكتب في المدن الحديثة، من جهاز يعتمد بشكل أو آخر على عنصر من العناصر النادرة في أداء وظيفته. فعلى سبيل المثال تستخدم هذه العناصر في أجهزة الهاتف المتحرك (الموبايل)، وأجهزة الكمبيوتر المحمول (اللابتوب)، وأجهزة التلفزيون الحديثة (إل. سي. دي والبلازما)، وأجهزة الليزر بتطبيقاتها المختلفة، والأجهزة الطبية مثل أجهزة الأشعة المتنقلة وأجهزة الرنين المغناطيسي، ومكونات ومحركات الطائرات، وعدسات الكاميرات، وصناعة الزجاج، وصناعة البتروكيماويات ومصافي تكرير النفط، بالإضافة إلى العديد من التطبيقات الصديقة للبيئة، مثل بطاريات السيارات الكهربائية، وتوربينات مزارع الرياح، وغيرها كثير. وليس بالخفي أن معدلات الطلب والاستهلاك البشري لهذه النوعية من الأجهزة الحديثة في ازدياد مطرد، وهو ما دفع أيضاً بالطلب على هذه العناصر النادرة إلى مستويات قياسية. وتكمن المشكلة في أن 97 في المئة من الإنتاج العالمي حاليّاً يأتي من الصين، وبالتحديد من مناجم في منطقة منغوليا الداخلية. فعلى رغم أن بعض الدول الأخرى مثل الهند، والبرازيل، وجنوب إفريقيا، وماليزيا، تنتج عناصر نادرة، إلا أن حجم إنتاجها لا يقارن بأي شكل بحجم الإنتاج الضخم من المناجم الصينية. وحتى بعض الدول التي تحتوي على احتياطيات كبيرة من المعادن النادرة، مثل الولايات المتحدة، توقفت عن الإنتاج وأغلقت مناجمها، بسبب التأثير البيئي السلبي الهائل لتعدين هذه العناصر التي تتطلب مناجم مفتوحة تدمر مساحة كبيرة من التربة الأرضية، هذا بالإضافة طبعاً إلى انخفاض نفقات الإنتاج في الصين نتيجة انخفاض تكلفة العمالة مقارنة بالدول الأخرى. وهذا الاختلال العالمي في إنتاج المعادن النادرة ظهر إلى السطح بقوة بداية سبتمبر عام 2009، عندما أعلنت الصين عن عزمها خفض حجم صادراتها بقدر كبير على مدار السنوات القادمة، وهو ما أثار حالة من الذعر والهلع بين منتجي الأجهزة الحديثة في اليابان، والولايات المتحدة، والدول الأوروبية، وبقية الدول الصناعية. ويتهم البعض الصين باستخدام المعادن النادرة كورقة ضغط اقتصادي وسياسي على الدول الأخرى، وخصوصاً بعد خفض الصادرات الصينية إلى اليابان في أعقاب نشوب خلاف مرير على ملكية بعض الجزر. وهذه الاتهامات تنفيها الصين بشدة مدعية أن خفض الصادرات هدفه الحفاظ على الاحتياطيات الحالية، وتلبية الطلب لأغراض الاستهلاك المحلي، في ظل تزايد تصنيع الأجهزة الإلكترونية الحديثة داخل الصين. وبغض النظر عن السبب الحقيقي خلف القرار الصيني فقد شرع العديد من الدول في فتح المناجم القديمة التي كانت قد أغلقتها سابقاً بسبب انخفاض أسعار هذه المعادن وفقدان الجدوى الاقتصادية لتعدينها نتيجة دخول الصين بقوة إلى الأسواق في عقد التسعينيات. وفي ذات الوقت بدأ كثيرون في البحث عن مصادر جديدة للمعادن النادرة بداية من جزيرة "جرينلاند" قرب القطب الشمالي، وحتى قلب القارة الأسترالية، وانتهاءً بقاع البحيرات الواقعة شمال كندا. وقد أثمرت هذه الجهود بداية الأسبوع الحالي اكتشاف مخزونات هائلة من المعادن النادرة عثر عليها باحثون يابانيون في 78 موقعاً في قاع المحيط الهادئ. ويقدر العلماء حجم هذا المخزون بـ100 مليار طن، وهو رقم هائل في ظل حقيقة كون التقديرات الحالية للمخزون العالمي من المعادن النادرة في جميع دول العالم -بما في ذلك الصين- لا يزيد عن 110 مليارات طن في الوقت الراهن. ولكن نظراً إلى أن هذا المخزون يتواجد على عمق 3.5 إلى 6 كيلومترات تحت سطح المحيط، تعود مشكلة التكلفة والجدوى الاقتصادية لتعدين المعادن النادرة لتطل برأسها مرة أخرى. هذا بالإضافة إلى المشكلة الأخرى في تعدين هذه العناصر المتمثلة في التأثير البيئي الضار، والذي يمكن في هذه الحالة أن يسبب تلفاً دائماً في البيئات الطبيعية البحرية في قاع المحيط، وهي نقاط ستبقي المعادن النادرة في الوقت الحالي ورقة ضغط في يد الحكومة الصينية، تلوح بها في وجه الاقتصاد العالمي برمته.