لا توجد منطقة على الخريطة العربية أكثر أماناً واستقراراً من دول مجلس التعاون! ولا توجد منطقة على الخريطة الدولية تهفو لها القلوب وتشخص إليها الأنظار مثل دول مجلس التعاون، حيث الخدمات العامة والوظائف والإمكانيات، إلى جانب الأمن والاستقرار، والرواتب المغرية التي تجعل الجميع يتطلعون إلى الحصول على فرص عمل في المنطقة، ولو أن أبناء المنطقة لهم وجهة نظر فيما يتعلق بخلل التركيبة السكانية وقد أصبحت من أعقد المشكلات التي تواجهها المنطقة، حيث تعوّد المواطنون في هذه المنطقة على سلاسة العيش وبساطته، وسهولة وصولهم إلى الأطباء وإنهاء معاملاتهم التجارية والشخصية، بل هدوء البال لرحابة الشوارع وعدم ازدحامها على عكس ما هو حاصل اليوم. ولقد جرى عقدٌ اجتماعي غير مكتوب فيما بين الأسر الحاكمة والشعوب في المنطقة منذ زمن بعيد حيث ضمنت تلك الأسر الأمن والأمان للمواطنين وتكفلت بتوفير الخدمات الأساسية للإنسان. وظلت العلاقة تبادلية بالولاء والاحترام بين الطرفين إلى يومنا هذا! وتخللت تلك السنوات بعض المواقف الوطنية والمطالبات الشعبية مثل رفع أجور عمال شركات النفط. كما كانت هنالك مطالبات إصلاحية نحو المشاركة الشعبية كما حدث في الكويت منذ بداية الستينيات ووضع الدستور الذي تعاقد عليه الشعب الكويتي مع الأسرة الحاكمة (أيام الشيخ عبدالله السالم). وحصلت بعض المطالبات في البحرين، سواء أثناء الوجود الأجنبي أو بعده، ثم طرح ملك البحرين مشروعة الإصلاحي قبل فترة، إلا أن الأمور لم تسر كما تمنى كثير من الأخيار، فاضطربت الأوضاع مع بداية هذا العام، ونتمنى للحوار الوطني أن يعيد الأمور إلى طبيعتها. وفي بقية دول مجلس التعاون كانت ثمة ثقافة تناصحية تقوم على الولاء لنظم الحكم ومساندتها، إلا أنها تؤكد الحاجة لبعض الإصلاحات والتشريعات الخاصة بحياة الناس طبقاً لحتمية التطور وزيادة احتياجات الشعوب. هذه مقدمة لابد منها للدخول إلى موضوع بالغ الخطورة، هو اكتشاف شبكة تجسسية تخريبية في دولة الكويت، كشف عنها موقع "الآن" الكويتي. حيث تم ضبط أفراد الشبكة: وهم اثنان يتبعان "حزب الله" اللبناني، و5 آخرون يتبعون بلداً عربيّاً مضطرباً! وكانت صحيفة "الجريدة" الكويتية قد أشارت إلى أن الأجهزة الأمنية بدولة الكويت قد ألقت القبض على أفراد تلك الخلية التجسسية التي تتبع استخبارات دولة عربية تشهد حاليّاً موجة من الاضطرابات والاحتجاجات، بهدف تنفيذ عمليات تخريبية في داخل الكويت وعدد من دول المنطقة، لخلط الأوراق وإبعاد الرأي العام عما يجري في تلك الدولة من أحداث دامية! وبينت الصحيفة أن الأجهزة الأمنية الكويتية تلقت تقريراً استخباريّاً من إحدى دول المنطقة يفيد بوجود تلك العناصر التخريبية. وأن تلك العناصر تعمل حاليّاً على جمع المعلومات في أكثر من دولة خليجية وترصد تحركات أبناء (ذلك البلد العربي) في دول الخليج وموقفهم من النظام، وترسل تقارير شبه يومية عن كل ما يكتب في الصحف ورأي الشارع الخليجي فيما يجري في تلك الدولة. لعلنا ندرك الآن قيمة تلك المقدمة لهذا الموضوع المهم! فأبناء الخليج -على مدى العصور- لم يكونوا يحملون ثقافة العنف أو التخريب، أو بيع أوطانهم والتعاون مع جهات أجنبية! بل كانوا دوماً مع الدولة وأجهزتها في حماية أوطانهم ومقدراتهم. ولذلك، لم تضبط أية حالات تهدد الأمن الداخلي. ذلك أن أبناء المنطقة لا يؤمنون بثقافة العنف، ولا قضايا التثوير وتخريب المنشآت والمرافق العامة التي توفر لهم الحياة المستقرة والآمنة. ولم يحدث أن استعانوا بالخارج أو خانوا بلدانهم من أجل مكاسب معينة. والقضية الأساسية هنا، أن بعض البلدان فتحت أبوابها مشرعة لملايين الوافدين من كل الأجناس والألوان! وبعض هؤلاء أتوا من بيئات فقيرة ومتخلفة جدّاً، بل وقد لا يعرفون كيفية استخدام المرافق العامة في بلدان الخليج! والبعض الآخر يندسُّ بين أفراد المجتمع بهدف جني الأموال بسرعة، أو استغلال المنصب للتخابر مع دول أجنبية. وهذه النماذج هي التي قد تشوه انسجام اللوحة الأسرية الجميلة التي جمعت الخليجيين على الوئام والحب والحوار حتى في الساعات الحالكة أو أيام "خريف العتب" التي لا تطول. ولعل وقفة الشعب الكويتي وراء حكومته والأسرة الحاكمة إبان الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت خير دليل على أن الخليجيين يمتلكون خاصية الوفاء وعدم استغلال الفرص. إن المواطنين في الخليج غير مؤدلجين، ولم يتعودوا على التحزّب الأعمى أو الأفكار المتطرفة. ولذلك فليست لديهم أجندة سوى حب أوطانهم ورؤيتهم لها مستقرة ومتطورة. والإشكالية تكمن في من لا نعرفهم، ولا نستطيع قراءة ضمائرهم! وهم قد يبيعون أي شيء من أجل الدولار! وهذا ما نخشاه من تغلغل مئات الآلاف من هؤلاء إلى مؤسساتنا وهيئاتنا ومعاهدنا،، بعضهم أتى بثقافة "الثورة" وآخرون جاؤوا بثقافة "الاستعلاء" على شعوب الخليج، والبعض الآخر يحمل جنسيات أميركية أو أوروبية له رؤية تختلف عن رؤى المواطنين المخلصين لأوطانهم، الذين يتألمون لأي حريق عادي قد يحدث ولو في مرفق صغير، والذين يواجهون بصدورهم العارية أي خطر عليهم، في الوقت الذي يتأهب الآخرون للفرار، كما حدث في دولة الكويت عندما غزاها العراق عام 1990. إن دول مجلس التعاون تحتاج اليوم إلى مراجعة بعض قراراتها وقوانينها السابقة الخاصة بهذا الانفجار السكاني، الذي حوّل المواطنين المسالمين إلى أقلية لا تتجاوز 10% من مجموع السكان! إننا نؤيد تكثيف تبادل المعلومات بين دول المجلس خدمة للاستقرار والأمن، ولكن ينبغي أن ندرك أن حجم أجهزة الأمن في بعض الدول لا يتناسب مع الأعداد المليونية من الوافدين الذين قد يتخفى بينهم بعض المارقين، من الذين يحملون حقداً على دول الخليج، وبعد أن احترقت بلدانهم يريدون حرق الدول الأخرى! إن هذا الموضوع أمانة في أعناق أصحاب القرار، وخاصة أنه "ما حك جلدك مثل ظفرك"، فلا تدعوا الأمور تصل إلى حافة عدم الاستقرار. إن الحوار مع أبناء المنطقة ومناقشة آرائهم خير وسيلة لوقف وإجهاض كل النوايا التي لا تريد خيراً لا لأبناء المنطقة ولا لدولها.