دخول مدينة العين، مؤخراً، "قائمة اليونسكو للمواقع التراثية الإنسانية العالمية"، يعدّ إنجازاً ثقافياً كبيراً، يعكس بوضوح ما تمتلكه دولة الإمارات من مواقع تراثية ومقدرات ثقافية كبيرة، تضعها في مرتبة متقدّمة على خريطة التراث الإنساني العالمي، حيث تشير حيثيات اختيارها في هذه القائمة إلى أنها نجحت في الحفاظ على مستوى عالٍ من الأصالة، بالرغم من خطوات التطوّر السريعة التي تشهدها الدولة على الصُّعد كافة، فالمدينة لا تزال تحافظ على صفاتها المحلية من المنظور العمراني، فضلاً عن تميّز مواقعها التراثية، وبشكل خاص المواقع التي تعود إلى آلاف السنين، والتي تمثّل أهمية جيولوجية وأثرية كبيرة للتراث العالمي. الحفاظ على المواقع الأثرية وحمايتها يمثّلان أولوية متقدّمة في دائرة اهتمامات الدولة، وقيادتنا الرشيدة، التي لا تألو جهداً في دعم الهيئات والجهات المهتمة بالتراث والثقافة، لأن هذا يعكس الوجهين الحضاري والإنساني للدولة أمام العالم الخارجي، ولهذا تحرص على تقديم أوجه الدعم اللازمة لمشروعات صون التراث الثقافي، والحفاظ على فاعلياته الأصيلة التي ارتبط بها المواطنون منذ القِدم، والعمل على إحيائها بشكل مستمر، على أساس أن ذلك يشكّل الأساس في الحفاظ على الهويّة الوطنية للدولة في مواجهة التحديات التي تواجهها من مصادر ومشارب شتى. هذا الحدث الثقافي الكبير بلا شك يمثّل أهمية كبيرة، ليس لأنه يمثّل أول موقع إماراتي على قائمة التراث العالمي للبشرية، تلك القائمة التي تضم مواقع ذات قيمة طبيعية وحضارية وتراثية للبشرية، لكن بالنظر إلى ما ينطوي عليه من مردودات إيجابية أيضاً، فهذا الحدث يشكّل نافذة مهمة للترويج للوجه الحضاري والإنساني والثقافي للدولة، باعتبارها من أرقى دول العالم التي لا يحول تطوّرها المتسارع دون المحافظة على تراثها والعمل على صونه بشتى السبل والوسائل. وليس أدلّ على ذلك من قائمة المشروعات السياحية والثقافية الكبرى التي تشهدها، والتي تمزج بين الخصوصية الثقافية والحضارية والمجتمعية لشعب الإمارات والانفتاح على الثقافات الأخرى، ومنها على سبيل المثال مشروع "متحف اللوفر -أبوظبي" الذي من المخطّط أن يفتتح في "جزيرة السعديّات" العام المقبل، وسيمثّل علامة ثقافيّة مهمة في دولة الإمارات ومنطقة الخليج بشكل عام. ولعل ما يعظم من إدراج مدينة العين ضمن "قائمة اليونسكو للمواقع التراثية الإنسانية العالمية"، أن دولة الإمارات تمتلك بالفعل العديد من المقومات الأساسية التي تؤهّلها لتبؤّ مكانة متميزة على خريطة التراث والثقافة العالمية، فإضافة إلى ما تمتلكه من مواقع أثرية وفاعليات تراثية يتم الاحتفاء بها على مدار العام، فإن مشروعاتها الثقافية الكبرى، مثل "جائزة الشيخ زايد للكتاب" ومسابقتي "أمير الشعراء" و"شاعر المليون"، ومشروع "كلمة"... باتت ملتقى لروّاد الفكر والشعر والثقافة والإبداع في مختلف المجالات. والأمر الإيجابي الآخر لهذا الحدث يتعلّق بإبراز المقوّمات السياحية والثقافية، ليس لمدينة العين وحسب، بل لمختلف إمارات الدولة أيضاً، لأن وضع المدينة على "قائمة التراث العالمية" يعدّ أفضل دعاية خارجية للمقوّمات المختلفة التي تشهدها الدولة في القطاع السياحي، وهذا بلا شك يمثّل أحد العناصر الرئيسية لتحسين القدرة التنافسية للسياحة المحلية على خريطة السياحة العالمية، وبالتالي الارتقاء بهذا القطاع الحيوي الذي أصبح يقوم بدور كبير في دعم الاقتصاد الوطني. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.