إيران، كما أعتقد، هي الدولة الأكثر اختباراً لمدى فاعلية مواقف سياسة روسيا في مواجهة ضغوط المجتمع الدولي. كثيراً ما عانت من تغير الموقف الروسي وعدم ثباته في وجه الضغوط الدولية. وقد تعرضت الآمال الإيرانية لخيبات، سواء في مجلس الأمن أو خارجه. وكثيراً ما تابعنا المواقف الروسية تجاه إيران، وخاصة قضية البرنامج النووي، وحللنا الموقفين الروسي والصيني منها، وكانا يأتيان مخالفَين للطموحات الإيرانية. ربما كان الدرس المهم الذي ينبغي علينا -كعرب- استنباطه من الموقف الروسي هو عدم الرهان عليه والابتعاد بالتفكير معها عن الطريقة التقليدية المبنية على الإرث التاريخي. الموقف الروسي بعد انهيار "جدار برلين" ليس كما هو قبله؛ لأن "الانهيار" لم يقتصر على الجدار فقط، بل شمل الكثير من المفاهيم وقواعد اللعبة السياسية، وتغيرت آليات الدعم السياسي والمواقف، وتعامل الروس مع المرحلة الجديدة بطريقة براجماتية. العاطفة لم تعد كافية. بعض الدول، أكثرها عربية، لم تغير نمطها في التعامل مع الوضع الجديد، وبقيت على أن الروس هم الداعمون لقضاياها، رغم وجود مؤشرات تدل على عكس ذلك، وأن المصلحة هي الأساس في التحرك الروسي. تجربة العرب عموماً مع روسيا، بعد جدار برلين، لم يتم تقييمها بشكل صحيح. هذا ليس رأياً شخصياً، لكنه رصد للكثير من المواقف الروسية منذ تحرير الكويت في عام 1990. والدليل تمسك بعض الدول العربية، سوريا وليبيا ولبنان، بالموقف الروسي في الأزمات التي تعاني منها. بات كل المراقبين على قناعة بأن التأييد الروسي لأي قرار أممي مسألة وقت فقط، فهو في النهاية سيلتحق وإن متأخراً، بهدف الحصول على امتيازات أكبر ومساومة سياسية لها علاقة بمصالح اقتصادية وسياسية. لا يمكن التشكيك في قوة الموقف الروسي أو الاستهانة بفاعليته إن أرادت روسيا فعلاً أن تمارس ضغوطها، وقد شهدنا ذلك حين استطاعت منع "الناتو" من نشر صواريخه في جورجيا وأوكرانيا. والغرب يدرك الثقل السياسي الروسي وأهميته في دعم أي قرار أممي، فاليوم الولايات المتحدة تطلب مساعدة روسيا في إيران وأفغانستان. الكلام هنا يعني أن روسيا حالها مثل باقي الدول الأخرى في العالم تحركها مصالحها وليس مصالح الآخرين، ولابد أن نتعامل معها على هذا الأساس. وهذا ليس عيباً، بل هي لغة السياسة التي ينبغي فهمها بدلاً من لوم روسيا أو اعتبارها حليفاً غير استراتيجي. يجب تصحيح طريقة التفكير لدينا. ولابد أن يكون في فهمنا أنه مهما جاملت روسيا العرب فإنها أمام مصلحتها لا يمكن أن تقف معهم لأن في الأمر جزءاً من سمعتها الدولية. أما الخطأ السياسي الذي يقع فيه العرب دائماً فهو اعتقادهم أن روسيا أو غيرها من دول العالم يمكن أن تضحي بمصالحها من أجلهم! لذا، فعلى الدول التي تعاني الأزمات حالياً ألا تراهن على الموقف الروسي في مواجهة شعوبها سوى من باب "قيمة الشيك" أو المصلحة التي يمكن أن تكون مقابل الوقوف ضد القرارات الدولية، فهذا هو الذي يعمل الفرق. فالحديث عن الشعارات السياسية لم يعد مناسباً الآن. وعلى هذا الأساس، فإذا أرادت الدول العربية أن تراهن على الموقف الروسي اعتقاداً منها أنها بذلك تحصن نفسها، فعليها فقط متابعة التحركات الروسية كي لا تُفاجَأ بتغير موقفها، كما حصل مع ليبيا مؤخراً.