في الأسبوع الماضي أعادت عضو مجلس النواب الأميركي، "كارولين مالوني" من نيويورك والسيناتور "روبرت مندير" من نيوجيرسي، طرح تعديل "المساواة في الحقوق" على طاولة النقاش في الكونجرس، وهي ليست المرة الأولى التي يعاد فيها طرح التعديل الذي ظل موضع نقاش وأخذ ورد منذ العام 1972. وقد يُفاجأ البعض من هذا الرجوع المتكرر لموضوع اعتقدنا جميعاً أنه طوي ولم يعد له من مسوغ في ظل المساواة التي حققتها المرأة مع الرجل. لكن الأمر ليس كما يظهر، إذ مازالت الهوة بين الجنسين في العمل شاسعة تستدعي نظرة متأنية. فقد كشفت الأرقام الصادرة عن الجمعية الوطنية للجامعات وأرباب العمل، أن خريجات الجامعات خلال السنة الجارية هن أقل بنسبة 17 في المئة مقارنة بنظرائهن الرجال الذين يحصلون على وظائف بعد التخرج. وهو رقم دال حتى قبل أن نلج إلى الأسئلة الأكثر إزعاجاً والمرتبطة بالأسرة والتوازن بين العمل والبيت. وقبل ذلك أشار استطلاع للرأي أجري في عام 2007 بين أوساط خريجي جامعة هارفارد أن معدل الراتب الأساسي خلال السنة الأولى في العمل يصل إلى 60 ألف دولار سنوياً مقارنة مع 50 ألف دولار بالنسبة للخريجة، وهو فارق يُقدر بحوالي 17 في المئة، بل إن هذا الفارق مرشح للتصاعد مع مرور السنوات والتقدم في العمل، الأمر الذي يحرم المرأة من مئات آلاف الدولارات التي يكسبها الرجل. والحقيقة أن السبب وراء هذا الفارق في الدخل بين الجنسين، بعد مرور خمسة عقود على سن قانون الفرص المتكافئة، يرجع إلى نقاش مفتعل بين جيلين من النساء حول مفهوم المساواة من وجهة نظر كل جيل على حدة. ففي جامعة "ييل" حيث أدرس، يقوم أعضاء الهيئة التدريسية الأحدث سناً من النساء بتمرير ملتمس يطالبن فيه بتمويل الجامعة لبرامج رعاية الأطفال، وهو ما تنظر إليه زميلاتهن من الجيل السابق بنوع من التحفظ، فهن يشككن في قدرة المدرسات الجامعيات على التألق المهني والترقي الوظيفي طالما كن ينجبن ويربين أطفالاً، لأن التركيز من وجهة نظرهن يتعين أن يكون في المرحلة الأولى على بناء قدراتهن الفكرية وفرض أنفسهن في العالم الأكاديمي. لكن حتى لو كان هذا الرأي صحيحاً، كيف يمكننا تفسير الفوارق في الدخل بين النساء والرجال؟ ربما تكمن الإجابة في طبيعة العمل الذي يختاره الجنسان، فرغم أن القليل فقط من خريجات جامعات "آيفي ليج" المرموقة في أميركا ينجبن أطفالاً في سنواتهن الأولى، فإن النساء يبتعدن أكثر من الرجال عن الوظائف ذات الساعات الطويلة أو التي تؤثر على الحياة الأسرية، بل إن العديد من النساء لا يتقدمن حتى بطلبات إلى الوظائف التي تعيق الواجبات العائلية. وفي استطلاع آخر للرأي أجري عام 2007، تبين أن الفارق في الدخل يقل عندما نأخذ عامل الاختيار في عين الاعتبار، إذ يختار الرجال أكثر من النساء وظائف في القطاع المالي وتكنولوجيا المعلومات، وهي وظائف تتطلب التزاماً أطول، لكنها مجزية أكثر؛ ومن الحلول المطروحة حالياً لتسهيل الحياة العائلية على النساء العاملات تمويل رعاية الأطفال وإقرار ترتيبات مرنة تتيح للمرأة الاهتمام بأسرتها، فضلاً عن تحفيز الرجال على المشاركة في الأعباء الأسرية. وقد لاحظ العديد من الاقتصاديين أن فوارق الدخل بين الجنسين تقل في الوظائف الطبية التي يمكن فيها للأطباء تعويض بعضهم البعض مقارنة بوظائف الشركات التي تتطلب حضوراً دائماً، وهو ما يفسر الحضور المكثف للرجال في "وول ستريت" والقطاع المصرفي اللذين تستدعيان ساعات طويلة من التواصل مع العملاء، فيما النساء يفضلن قضاء وقت أطول مع العائلة. لكن يبقى العائق الأساسي بالنسبة للعديد من النساء اللواتي نجحن في مشوارهن المهني، هو النظرة المتجذرة في المجتمع حول الأدوار المنوطة بالجنسين والتي تفسر أيضاً فوارق الدخل بينهما، فالبعض يرى أن الأقليات والنساء أقل أداءً من الرجال البيض وبالتالي حظوظهم في الوظائف أو الترقي أقل، بل المفارقة اللافتة هي ما كشفه "جاك دوفيديو" في دراساته الاجتماعية من أن النساء أنفسهن والأقليات منحازون ضد الفئات التي ينتمون إليها دون وعي منهم بسبب التصورات المجتمعية المهيمنة، وحتى عندما يشرفون على عمليات التوظيف داخل الشركات، أو يقومون بتقييم الموظفين من أجل الترقي، غالباً ما يتم تهميش النساء والأقليات باعتبارهم أقل عطاءً من الرجال وأكثر انشغالاً بالأسرة منهم بالمسار المهني. وللتغلب على هذه النظرة المجتمعية تعمل حالياً بعض الشركات والجامعات على وضع حلول مبتكرة مثل توعية العاملين في الشؤون البشرية بتلك التصورات المغلوطة، ومصاحبة النساء اللواتي يتم توظيفهن حديثاً من قبل زميلات أقدم منهن، وهي تجربة أثبتت نجاعتها عندما جربت في القطاع الأكاديمي خلال 2009، حيث تبين أن المدرسات الجامعيات حديثي الالتحاق بكلية الاقتصاد تمكّن من نشر أوراق بحثية عندما أشرفت عليهن مدرسات أقدم منهن وأرفع درجة، وذلك مقارنة بالمدرسات اللواتي تُركن لوحدهن دون متابعة. وتبقى الإشارة في الأخير إلى أن النقاش حول مفهوم المساواة في الدخل والعمل، لا تحركه القضايا الفلسفية التي دأبت الحركات النسائية في السابق على خوضها بقدر ما تحركه أولويات أجيال النساء المختلفة بين من يعطين الأسبقية للتميز المهني والترقي الوظيفي، وبين من يردن الجمع بين ذلك وبين احتياجات الأسرة. فرانسيس ماكال روزنبلوث أستاذة السياسة الدولية بجامعة ييل الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"