يعد تحقيق الأمن الغذائي والمائي من أهم المتطلبات الحياتية والتنموية للمجتمعات البشرية. فقضية الأمن الغذائي والمائي تعد من أهم المسائل المنظورة على مستوى الدول بسبب ازدياد سكان العالم والمخاوف من محدودية قدرة كوكبنا على إنتاج ما يكفي لإطعام أفواه المليارات من الجنس البشري، في ظل تضاؤل الموارد المائية العذبة والكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية والاحتباس الحراري وتأثيراتها على المساحات المزروعة، عدا عن الظروف السياسية والمشاكل الاقتصادية، وغيرها من التحديات. فإذا كانت الدول التي تمتلك موارد مائية عذبة وفيرة، وأراضيَ شاسعة من التربة الزراعية الخصبة، ومراعي طبيعية لثروتها الحيوانية قلقة من التحديات المستقبلية التي تهدد أمنها الغذائي للأسباب سالفة الذكر، فإننا في دولة الإمارات وفي دول الخليج عموماً نعاني ظروفاً بيئية وجغرافية تكاد تكون الأقسى على وجه الأرض فيما يخص توفر الموارد المائية العذبة والمساحات الزراعية الخصبة، ولذا، فإننا ينبغي أن نكون أكثر قلقاً وأشد حرصاً على جعل الأمن الغذائي والمائي من أولويات البرامج الوطنية، ومطلوب وضعه في أجندة الحكومة وأيضاً على مستوى العمل الخليجي والعربي المشترك. ينبغي في البداية أن نحدد ما يمكن أن نزرعه وننتجه في أرضنا ونعمل على زيادة إنتاجه بجودة وجدوى اقتصادية للوصول للاكتفاء الذاتي منه، وفي المقابل هناك منتجات لا غنى لنا عن استيرادها مثل الأرز والقمح والبقول والفواكه وبعض أنواع الخضراوات التي من الضروري أن نعمل على ضمان استيرادها من بلدان المنشأ من خلال إقامة مشاريع زراعية كبرى لإنتاج محاصيل خاصة بنا تورد إلينا عند حصادها، وينبغي ألا يترك هذا الأمر لاقتصاد السوق وقانون العرض والطلب خاصة فيما يخص الأرز والقمح. إننا لازلنا نستورد الجزء الأكبر من استهلاكنا للخضراوات، وفي السنوات الماضية شهدت البلدان الموردة مواسم جفاف أو حالات صقيع أثرت على المحصول أو قل التصدير بسبب ازدياد الطلب المحلي مما أدى إلى ارتفاع أسعار الخضراوات. إن الحل يكمن في إيجاد سبل لإنتاج محصول محلي وفير وجيد من الخضراوات وبتكلفة اقتصادية معقولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي منه. هناك برامج حكومية لدعم المزارعين المحليين، وأيضاً هناك برامج لدعم الزراعة العضوية والزراعة المائية، ولكن هذا الدعم لا يزال محدوداً وليس كافيّاً وحده لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضراوات، أو للترغيب في الاستثمار في المجال الزراعي. لقد أتاحت العلوم وتقنيات الزراعة الحديثة الفرصة لتحقيق إنتاج زراعي وفير وبجودة عالية وبتكلفة معقولة، تقلل من هدر المياه أو التقيد بالمواسم الزراعية أو ظروف الجو كما هو الحال في الزراعة التقليدية. فتجربة الزراعة المحمية في البيوت البلاستيكية والزراعة المائية تعتبر مثالية لبيئتنا الصحراوية وتضمن إنتاج أصناف عديدة من الخضراوات مثل الخيار والطماطم والباذنجان والكوسا والفلفل والجزر والخضراوات الورقية كالخس والجرجير والبقدونس وغيرها، وبجودة لا تكاد تقل عن زراعتها في تربة خصبة وأجواء طبيعية ملائمة. يتعين أن يكون هناك توجه حكومي لدعم هذا النوع من الزراعة من خلال توفير البيوت المحمية وكافة مستلزماتها بأسعار معقولة، وتشجيع المواطنين على تركيبها في المزارع للإنتاج الوفير وتسويق المنتج في السوق المحلي. كما يمكن أيضاً توفير نماذج مصغرة يمكن تركيبها في حدائق منازل المواطنين لزراعة ما يفي بحاجة الاستهلاك المنزلي، وتقديم إرشاد حول كيفية إدارة هذه البيوت المحمية وأنواع المحاصيل التي يمكن زراعتها وطرق الري والعناية وجني الثمار. ومطلوب أيضاً منهجية مماثلة لدعم مربي الثروة الحيوانية خاصة فيما يتعلق بتوفير أعلاف ورعاية بيطرية، ووضع خطة لزيادة عدد رؤوس الأغنام إلى مستويات تحقق الاكتفاء الذاتي من اللحوم وطرحها في الأسواق بأسعار تقل عن المستورد. إن العمل لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الغذائية الأساسية مطلب وطني لضمان مستقبل الأجيال المقبلة، وفي عالم يقول الخبراء إن صراعاته المقبلة ستتركز حول الماء والغذاء.