صارت فلسطين الحاجز الواقي ضد اتهامات الخيانة، وتحولت الأصوات إلى الإدعاء بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وارتدى البعض المسوح ليقولوا إنهم جدار صد ورصاصة رفض وسط طوفان من التنازلات. ولكن الأيام كشفت الحقيقة، فعمر الكذب أقصر من ليلة صيفية معتمة، فهذا القذافي الذي قضى جل عمره وهو يطلق شعارات الكراهية للولايات المتحدة وحلفائها ليكشف شعبه الطيب حجم الثروة الهائلة التي تم إخفاؤها في غياهب الخزائن البنكية الأميركية والبريطانية والإيطالية. واليوم عندما تتكشف حقائق قضايا عالقة يدعى المهتمون بأنهم لهم فضل مقاومة إسرائيل حتى آخر رهق أو آخر كذبة. ولأن الصادق يتأكد صدقه من عينيه، فإن الكاذب أيضاً تفضحه أصواته وأصوات غيره الذين يكتشفون حجم النفاق الذي عاش طوال "عمر نضالي" مزعوم. ولأن الشعب العربي تقض مضجعه فلسطين وتتوسد آلامه قضيتها الأم والأهم، فإنها تحولت لدى العديد من الأنظمة والأحزاب، شماعة للفشل والجريمة والسرقة، وجعلوها فزاعة أيضاً، فلسان حالهم يقول: لا تتهمونا، وحافظوا على أنظمتنا، إننا الوحيدون القادرون على تحريرها! عن أي تحرير يتحدثون؟ وعن أي مقاومة؟ كم رصاصة عربية أطلقت من أجل فلسطين منذ عشرات السنين؟ لقد حررها عمر رضي الله عنه بذاك الإصرار الإيماني الطاهر، لكنهم اليوم يعتبرونها تركة ستتحرر من قبضة الصهاينة بكيل الكذب والدعايات الموجهة لاستمالة الشعوب. لكن ربيع الشعوب العربية الذي جاء في عز الشتاء القارس والقاسي، فضح الذين بددوا حيوية القضية العربية؛ وانشغالهم بتأجيج الطائفية وتقسيمهم لشعوبهم لن يكفل لهم فرصة الاستمرار، فالتاريخ علمنا كيف أن العمر الافتراضي للمجرمين قصير، وزارع الطائفية لن يكون له سوى نهاية مظلمة أصعب من التي حصلت لغيره على مر الأيام. ولعل تأليه الزعماء، أولى الحفر التي سيسقط فيها المدعون، والذين يرفعون أصواتهم بخطابات للشعوب لا تملك من المصداقية حرفاً. فقد سئمت فلسطين ما يُقال عنها، وكل ما قد يدعى عنها، وترفض اليوم أن تصير مجرد واجهة لامعة ليختبئ خلفها القتلة، الذين لا يختلفون كثيراً عن الإسرائيليين. ولعل التساؤل هنا من أين جاؤوا بحق الإدعاء أنهم من حزب المقاومة والممانعة؟ وكيف تصوروا أنهم الأوصياء الوحيدون على فلسطين وهمومها الكبيرة؟ يالها من دعايات بان زيفها بعد طول إدعاء. ويالها من أكاذيب لم تعد تنطلي على شعوب باتت ترفض الكذب وتدعو للكرامة والعيش الكريم. ومن يملك حق قتال إسرائيل، وهو سبب مهم في زعزعة أمن بلاده وقلقها. كم من التناقضات يجعل الحقيقة أكثر وضوحاً، ويعري ما بقي من حجج، ويكشف أن فلسطين ضحية إدعاء كعادتها. وصاحب البيت الزجاجي كيف له يرمي بالحجر دبابة إسرائيلية واحدة؟!