انطلاق "ماراثون" الترشيحات الاشتراكية... وإسرائيل تعرقل ربيع "التسوية"! بداية السباق على نيل بطاقة ترشيح الحزب الاشتراكي الفرنسي للانتخابات الرئاسية العام المقبل، وتداعيات "الربيع العربي" على عملية السلام، واختلاف تعامل المجتمع الدولي مع الحالتين الليبية والسورية، موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. ترشيح الحزب الاشتراكي أعطى إعلان زعيمة الحزب الاشتراكي الفرنسي "مارتين أوبري" بصفة رسمية عن نيتها الترشح لرئاسيات العام المقبل إشارة الانطلاق لتنافس داخلي محتدم أصلاً بين قيادات الحزب، وهو تنافس توقعته الصحافة الفرنسية وعبأت ترسانتها النقدية سلفاً في انتظاره منذ عدة أسابيع. في مقال بصحيفة لوفيغارو ذهب الكاتب "إيفان ريوفول" إلى أن على كل أولئك الحالمين بالترشح للرئاسة أن يكونوا مستعدين من البداية للاستماع لتطلعات الفرنسيين، بدل إغراق أسماعهم بموجات التنظير والخطابة السياسية. وما دام الجمهور الفرنسي قد أبدى عودة للاهتمام بالسياسة خلال الفترة الأخيرة، فإن الرهان الذي ينتظر مرشحي اليمين واليسار، على حد سواء، هو العمل على إعادة مد جسور المصالحة مع الناخبين الذين انفصلت عنهم الطبقة السياسية، كما انفصلت عن تقاليد الديمقراطية الشعبية التمثيلية، بشكل مزمن خلال الأشهر الماضية. وفي هذا السياق يمثل انطلاق سباق الترشيحات الأولية لتمثيل الحزب الاشتراكي استجابة مناسبة لتحديات أزمة الثقة التي تآكلت بسببها مصداقية الحزب في الشارع. ومطلوب على هذا الطريق الشاق من الحزب القائد لليسار أن ينجز الكثير، وأقله أن يبرهن على أن في جعبته أفكاراً جديدة، ربما يسير عكس تيارها مسبقاً إعلان مسؤولة الحزب الأولى "أوبري" عن نيتها الترشح. وقبل ذلك ربما كان الأجدر بها أن تستفيد من سابقة سيغولين رويال التي مارست، على الأقل، نوعاً من النقد الذاتي، بعد حملة ترشحها غير الناجحة للرئاسيات السابقة في مواجهة ساركوزي. أما في افتتاحية صحيفة ليبراسيون فقد ذهب الكاتب "بول كينيو" إلى أن الاشتراكيين يجدون وجوههم اليوم إلى الحائط، فبعد الإعلان الرسمي هذا الأسبوع عن ترشح زعيمتهم "أوبري" لنيل بطاقة ترشيح الحزب لرئاسيات 2012 دخلوا عمليّاً في سباق محتدم لا أحد يعرف إن كان سيتأدى بهم إلى أسوأ الخيارات أو أحسنها، وخاصة أن "أوبري" أصبحت بمثابة المرشحة الأوفر حظاً بعد غياب مرشح حزبي آخر قوي بحجم "دومنيك ستروس- كان". وأسوأ الخيارات، وقد اعتاده الفرنسيون من الحزب، هو أن يدخل قادته في صراعات حزبية عقيمة، لا تبقي ولا تذر. ولا حاجة للتذكير بأن مثل تلك الصراعات توسع خطوط وشروخ الاستقطاب في صفوف مناضلي الحزب، وتنفر كثيراً من أنصاره، وتصب في النهاية في مصلحة ساركوزي، الذي يتوقع أن يجد نفسه بعد ستة أشهر من الآن، في حالة انتعاش لشعبيته، مقارنة بترديها اليوم. أما أحسن الخيارات فيتمثل في ترفع زعامات الحزب الاشتراكي عن الحسابات الشخصية والأهداف الصغيرة، بحيث تتمكن "أوبري" و"هولاند" و"رويال" وغيرهم من توحيد صفوفهم، والإمساك بزمام المبادرة لإقناع الفرنسيين بجدوى رؤاهم فيما يتعلق بمفردات الحياة والاهتمامات التي تشغل أذهان الفرنسيين فعلاً مثل إصلاح التعليم، والضرائب، وفرص العمل، والعولمة، والتدخلات العسكرية في الخارج، وسياسة الطاقة وغيرها. وفي المجمل فإن السباق التمهيدي الاشتراكي لنيل بطاقة الترشيح سيكون فرصة للحكم على مدى جاهزية الحزب الاشتراكي الفرنسي لرئاسيات العام المقبل، ومدى قدرته على تقديم البديل السياسي الذي ينتظره الناخبون بفارغ الصبر. السلام و"الربيع العربي" في مقال بصحيفة لوموند قال الكاتب "دنيس بوشار" إن حالة التحول الواسعة التي تمر بها المنطقة الشرق أوسطية أخذت إسرائيل على حين غرة، وجعلتها تعاني من حالة ارتباك وتردد شديدة، انعكست على مواقفها المتشنجة خلال الفترة الأخيرة الماضية. ويمكن البحث عن أسباب ذلك في طريقة استقبالها للواقع الجديد الذي ترسمه مستجدات واستحقاقات التحولات العربية، حيث يبدي الشارع الإسرائيلي كثيراً من القلق تجاه الأحداث الجارية في سياق الربيع العربي، في حين تقرأ حكومة تل أبيب عناوين المرحلة المقبلة بكثير من التشاؤم هي أيضاً متحدثة عن احتمال وصول أطراف أصولية متشددة إلى السلطة في أكثر من حالة عربية، مع ما قد يعنيه ذلك من انقلاب في ترتيبات ومعادلات الصراع في الشرق الأوسط. ولكن، يقول الكاتب، لماذا لا تنظر إلى الاحتمال الآخر، وهو إمكانية وصول قوى ديمقراطية للسلطة في الاستحقاقات الانتخابية القريبة في دول الربيع العربي، مع ما سيعنيه ذلك من احتمال انفتاح فرص أكبر للتسوية والسلام؟ وفي هذا السياق يمكن ملاحظة حجم التحول في السياسة المصرية تجاه إسرائيل الذي تعبر عنه تصريحات وزير الخارجية المصري الحالي التي تبدو أقرب إلى موقف الشارع المصري وواقع السلام البارد، والامتناع عن التطبيع، الذي تبناه منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل. وفيما يتعلق بالجانب الفلسطيني هنالك معطيات جديدة الآن، حيث ضغط الشارع على كل من "فتح" و"حماس" لإنهاء الخلاف فيما بينهما، كما أن تشكيل حكومة جديدة، والاستعداد لنيل اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية، معطوفاً على ذلك تغير مواقف اللاعبين الإقليميين الآخرين المؤثرين في الأطراف الفلسطينية، كل هذا من شأنه أن يدفع باتجاه مقاربة جديدة لواقع الصراع مع إسرائيل. وفي سياق متصل نشرت لوموند أيضاً مقالاً آخر لأوفر برونشتاين، رئيس المنتدى العالمي للسلام، عنوانه: "بعد الربيع العربي ينبغي أن يأتي ربيع السلام"، أكد فيه على أن التحولات الإقليمية الأخيرة ليست بالضرورة عائقاً أمام التسوية وإنما تفتح، على العكس، أكثر من نافذة فرص لتحقيقها. ومن جانبها غطت صحيفة لوفيغارو مساعي الحكومة الفلسطينية لنيل عضوية كاملة في الأمم المتحدة ابتداء من شهر سبتمبر المقبل، على طريق نيل الاعتراف الأممي بالدولة المنشودة من خلال الجمعية العامة، وهي دولة قرر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن بنيتها التحتية الاقتصادية والمؤسسية جاهزة سلفاً، تتويجاً للجهود التي بذلها سلام فياض خلال السنوات الماضية، ولذا فقد أصبحت الكرة الآن في مرمى المجتمع الدولي، للاعتراف بالدولة الفلسطينية. حق التدخل الإنساني خصصت لوموند ملفاً سياسيّاً لمسألة التدخل الدولي الإنساني، وما يتردد في بعض وسائل الإعلام بخصوص وجود ازدواجية معايير في التعامل مع بعض الحالات التي تتقدم مشهد التجاذب الراهن في العالم العربي. وهنا تساءلت الصحيفة عن الأسباب التي جعلت المجتمع الدولي يتدخل في الحالة الليبية، ويحجم حتى الآن عن ذلك في الحالة السورية. وفي سياق الملف ذهب الكاتب "أرييل كولونوموس" في مقال بعنوان: "مسؤولية التحرير"، إلى أنه يمكن تصنيف الصراعات إلى نوعين، عادلة وغير عادلة. ويعتبر التدخل لحماية المدنيين وحقوق الإنسان، مندرجاً في النوع الأول لأسباب أخلاقية وسياسية عديدة. وفي سياق التحولات العربية الراهنة فإن الدعوات للتدخل فيما يجري في سوريا تستند إلى منطق عدم الكيل بمكيالين وفق من يطلقونها، بالإشارة إلى الالتزام الذي أبداه المجتمع الدولي تجاه شعب ليبيا. غير أن ثمة شروطاً كثيرة لنجاح أي تدخل وأولها التفكير فيما بعده، والنتائج التي قد يتكشف عنها. وفي مقال ثانٍ ضمن الملف ذاته ذهب الكاتب باسكال بونيفاس إلى أن الانخراط السريع والانشغال في المهمة الليبية صب في مصلحة النظام السوري، هذا فضلاً عن حقيقة كون هذا الأخير أقل "شيطنة" أمام الرأي العام الغربي مقارنة بنظام القذافي. وزيادة على هذا أن كثيرين في الغرب يعتبرون نظام الأسد عامل استقرار في المنطقة، في حين لا يختلف اثنان على أن نظام القذافي يمثل عامل عدم استقرار. وعلاقات نظام دمشق أكثر قوة وفاعلية داخل النظام الإقليمي العربي كذلك. كما أن القذافي أعلنها صراحة من البداية بأنه بصدد ارتكاب مجازر، ما عبأ الموقف الدولي تجاهه. وأخيراً يذهب الكاتب إلى أن الحرب في ليبيا جعلت من غير الوارد عمليّاً الدخول في مواجهة أخرى، في الوقت نفسه، وهذا ما وضعه في حسابه وتصرف في ضوئه نظام دمشق. إعداد: حسن ولد المختار