مجتمعات العالم العربي كلها، ومجتمعات أخرى، تعاني في وقتنا الراهن من مشاكل الزواج وتكوين الأسرة. نحن نقرأ في الصحف والكتب الكثير عن المشكلة، فنظنها بنت اليوم، بينما يصفها مثلاً كتاب صادر في مصر عام 1933 بأنها "أزمة اجتماعية حيوية خطيرة، أخذت معاولها تهدم صرح الأسرة، وتقوض السعادة البيتية، وتنذر الأمة بسوء المصير. تلك الأزمة التي نجمت عن إحجام الشباب عن الزواج وتفضيلهم حياة العزوبية" (أزمة الزواج في مصر: أسبابها، نتائجها، علاجها، محمد فريد جنيدي). تعمق الباحث "جنيدي" في أصل المشكلة وجذورها، واستكتب "علماء الشرق" للحديث عنها. فماذا قالوا فيها؟ وذهب المؤلف إلى أن أهم أسباب "تلك الأزمة الحيوية الخطيرة" سبعة، المغالاة في المهور، تبرج النساء وخلاعتهن، عدم دراية الفتيات بتدبير شؤون المنزل، رغبة الشباب في التزوج من غنية، وميل الفتاة إلى التزوج من ذوي الجاه، عدم السماح لطالب الزواج برؤية من ستكون شريكة حياته، كثرة الطلاق، وأخيراً "دعاية المتزوجين ضد الزواج"! ونفى المؤلف عاملاً مهماً يتردد الحديث عنه في أيامنا هذه، أي العامل الاقتصادي، "لأن هناك كثيراً ممن يستطيعون تكوين أسرة تعيش عيشة رغدة هنيئة وها هم تخطوا سن الزواج ولم يجنحوا إليه". ويناقش "الجنيدي" العامل الأول، فيقول إن أصل المهر كان خدمة العريس مدة معلومة لدى والد الفتاة. وكانت هذه المدة تتفاوت بتفاوت الطبقة، ولكنها لم تكن أقل من سبعة أعوام... وقد تمتد إلى ما بعد الزواج. وبذلك يتأكد الوالد من أخلاق العريس وصلاحيته لأن يكون بعلاً لفتاته. ولم تكن حياة العريس أو طالب القرب مريحة، بل كان القصد معرفة مقدار صبره وتحمله وتواضعه "فكانوا من أجل ذلك يعطونه فراشاً خشناً، وطعاماً قذراً يعاف الحيوان أكله، ولا يسمحون له بالتأخر في النوم، ويكلون إليه فوق ذلك الأعمال الشاقة المضنية. ولن يزوج والد الفتاة أو ولي أمرها فتاته ما لم ينجح الشاب في هذا الاختبار العجيب". ويقول إن البائنة أو الدوطة، وهو المهر الذي تدفعه المرأة للرجل عادة أفرنجية نشأت في أوروبا، وسببها قلة الرجال، حتى أصبحت الفتيات حملاً ثقيلاً على آبائهن، ولم يجدوا طريقة للتخلص منهن سوى بذل الدراهم والدنانير، فالمهر في مجتمعاتنا ينبغي أن يكون آية من آيات المحبة، وصلة القربى، إلا أن بعض الآباء لا يفهمون معنى المهر فأصبحوا يبالغون فيه. ومن العادات التي تخالف الشرع وقوانين الاقتصاد، يقول، الإسراف في الجهاز للعروس، "وقد انتشرت تلك العادة الذميمة القبيحة وكم أعقبت من فقر حاضر، وخراب عاجل، وضرر بيِّن". وقد يشمل ذلك أثاثاً كثيراً لا مكان له في الشقة، ولا يستعمل، فلا يمر عليه وقت قصير إلا وتكون الفئران والعتة قد أتلفته. وينتقد العادة الوخيمة في كثرة الإنفاق على حفلات الأعراس. ويدعو المؤلف المصريين والمصريات إلى حث الفتيات على ترك التبرج والتمسك بالعفاف، ويطالب الحكومة بوضع قانون يمنع الخلاعة، "وليس هذا بغريب، فقد فعلت مملكة الفاتيكان ذلك، فإن البابا حرم على النساء دخول الكنائس بالملابس الخليعة". وهذا ما فعله في الصين المارشال "تشانج كاي شيك"، الذي أصدر مراسيم احتشام على الفتيات والنساء الصينيات". وينظر المؤلف في العلة الثالثة من علل تعثر مؤسسة الزواج، وهي "عدم دراية الفتيات بتدبير شؤون المنزل"، إذ لا يجوز الاعتماد على الخدم، فحتى القائد العسكري سيخسر المعركة مهما كان عدد جنده إذا لم تكن لديه خبرة القتال، وكذا ربان السفينة مهما ازداد عدد بحارته. وليس أدل على ما أقول من أن جلالة ملكة انجلترا كانت تتولى هي بنفسها طهي وإعداد طعام بعلها الملك أثناء مرض الأخير! ومن أن كريمة ملك السويد تعلمت الطهي مثلها في ذلك أميرات البيوت المالكة الأخرى في أوروبا". ويقول إن طهاة ملك إسبانيا تغيبوا عن القصر ذات يوم، "فنزلت شقيقات الملك إلى المطبخ وأخذن في إعداد الطعام، وقمن بما يقوم به الخدم، ولم يبرحن المطبخ في ذلك اليوم حتى أكل الملك وكافة الموجودين بالقصر من خدم وحشم". أما رابع علل أزمة الزواج في مصر وغيرها فهي، يقول المؤلف: رغبة الشباب في التزوج من غنية ومثل الفتاة بالتزوج من ذي جاه. وهذا "مرض اجتماعي خطير"، والذي أود أن ألفت النظر إليه هو "أن بعض الأمهات يشجعن الزوج على السعي وراء الرجل الغني أو الشاب المستخف بالحياة يتصيده لبنته". ويورد كلاماً لبعض الحكماء في اختيار الزوجة يقول "يجب أن تكون أقل من الرجل في أربعة أشياء وهي العمر والقامة والثروة والأسرة، وأن تكون أكبر منه في أربعة أشياء وهي الجمال والأدب والعفة وحب الخير". أما عن مشكلة عدم السماح لطالب الزواج برؤية من ستكون شريكة حياته، فيقول إن البعض يكتفي بإرسال أمه أو أخته أو سيدة من أقاربه إلى الفتاة التي يريد أن يخطبها. أما الخاطبة، فهي عامل الشر في أغلب الأحيان. ولكن المؤلف نفسه يشكك في أهمية الرؤية المباشرة بين الرجل والمرأة، ويقول إن هناك نحو مليون ونصف مليون من حوادث الطلاق في أميركا سنة 1923، فهل كانت الخاطبات يتوسطن في الزواج؟ أما أحسن وسيلة لكي يتمكن الشاب من النظر للفتاة التي سيخطبها، يقول جنيدي، فهي "تلك الطريقة الشائعة بين الأسر الفرنسية المحترمة والتي بدأت بعض الأسر المصرية استعمالها الآن، وهي أن الفتاة تقدم القهوة للشاب ولوالدها أو ولي أمرها، وتجلس بحضوره حتى تطمئن النفوس، وتتوافق الأمزجة". ومن العلل المهمة التي نشأت عنها أزمة الزواج، في اعتقاد المؤلف، دعاية المتزوجين الكاذبة ضد الزواج! و"إنني أعيب على هؤلاء المتزوجين النزقين سلوكهم الشائن، فإن دعايتهم ضد الزواج سموم تسري في جسم مجتمعنا المسكين، لهذا لا يقدم الشباب العزاب على الزواج فحسب، بل لا يفكرون فيه.. فيجب الكف عن هذه الدعاية الذميمة ". وينهي الكاتب حديثه عن أسباب "أزمة الزواج" بتحذير المجتمع من كثرة الطلاق. ويعرض إحصائيات 1931 عن الوضع في مصر. وتظهر الأرقام أن معظم الحالات تقع ما بين خمس إلى تسع سنوات من الزواج. ومن النصائح التي يعيد المؤلف تذكيرها لقرائه المتزوجين والمتزوجات نحو عشرين نصيحة منها: عيشا مستقلين أي بعيدين عن ذوي قرباكما "كونا متساويين، فإن السعادة الدائمة في العلائق البشرية ما بنيت إلا على المساواة"، "كونا صالحين ولا تعظا"، "تفاهما في المسائل المالية"، "تجنبا الصديق الحميم الذي يطلعه أحدكما على سره، فقد أقسمتا عند الخطبة ألا يعلم إلا الله ما بينكما"، وهي وصايا "وضعها د. فرانك كراين أحد مشاهير الكُتاب الأميركيين". ويشير المؤلف كذلك إلى النصائح التي أسدتها ملكة رومانيا "ماري" لكل زوجة للمحافظة على محبة بعلها، وهي تسع منها لا تكوني البادئة بالخصام، غضي الطرف عن هفوات شريك حياتك، تجنبي طلب الدراهم من بعلك بإلحاح، دعيه من وقت لآخر يشعر بأن كلمته هي الحد الفاصل، وذلك في الأمور التافهة فهذا لا يضر بكِ، وفي الوقت نفسه؛ اقرئي المقالات المفيدة في الصحف والمجلات، ولا تكتفي بقراءة أخبار الزواج والطلاق فقط. فإذا اتبع كل من الزوجين النصائح والقواعد السالفة الذكر، يؤكد المؤلف متفائلاً، يسعدان، وبسعادتهما تسعد الأسرة، "فيقل عدد الطلاق، ويقبل الشبان العزاب على الزواج". خليل علي حيدر