تمثل أسواق السلع الاستهلاكيّة أحد أهم مكوّنات اقتصاد أي دولة، وتعتبر المؤشرات المعبّرة عن أداء هذه الأسواق بدورها إحدى أهم الأدوات التي يستدل بها على الأداء الكليّ لهذا الاقتصاد، فالطلب الاستهلاكي يؤمّن الجزء الأكبر من الطلب الكلي وقوة الدفع الرئيسية المحفّزة لهذا الاقتصاد على النمو، ويعتبر حجم تغيّر الطلب الاستهلاكي في الأسواق المحلية لأي دولة، واتجاهه، المحدّد الرئيسي للتوجهات المستقبليّة للإنتاج في الأنشطة الاقتصادية. وإلى جانب ذلك يعبّر الطلب الاستهلاكي عن مدى ثقة المستهلكين بالاقتصاد الوطني، وبالتالي فهو يدلّل على الأفق المستقبلي للنمو الاقتصادي. وانطلاقاً من الوعي بهذه المعطيات المهمّة، تحرص دولة الإمارات على بناء أسواق محلية ذات كفاءة للسلع الاستهلاكية كجزء من توجّه شامل للدولة يستهدف بناء منظومة عمل تنافسيّة لجميع أسواقها المحلية من دون استثناء. وبخلاف ذلك الوعي، فإن دولة الإمارات ترعى كفاءة أسواقها الاستهلاكيّة، نظراً إلى الارتباط المباشر لهذه الأسواق بأفراد المجتمع، الذين هم الشريك الرئيسيّ في التنمية، والمستفيد الأول والأخير منها، ونتيجة لهذا الوعي تتبنّى الدولة عدداً من الآليات التي تساعد هذه الأسواق على القيام بدورها في تلبية احتياجات المستهلكين من السلع والبضائع بأفضل السبل الممكنة، وتوفير السلع ذات الجودة العالية، المتنوّعة بقدر كبير، بما يتوافق مع تفضيلات المستهلكين وأذواقهم، وإلى جانب ذلك تحرص الدولة طوال الوقت على توفير السلع الاستهلاكيّة بأسعار تتوافق مع مستويات الدخول لدى جميع فئات المجتمع. وقد أقدمت دولة الإمارات، خلال الفترة الماضية، على مبادرة تقضي بتحرير استيراد السلع الغذائية، عبر إلغاء الاستيراد بنظام الوكالات التجاريّة، وألغت حتى الآن الوكالات التجارية لـ 14 سلعة استهلاكية كخطوة أولى، وتخطّط للتوسع في هذا الاتجاه لتحرير استيراد جميع السلع الاستهلاكية الأساسية في المستقبل، وتستعد "وزارة الاقتصاد" حالياً لتقديم قائمة بعدد آخر من السلع الاستهلاكيّة إلى مجلس الوزراء لإلغاء الوكالات التجاريّة عليها. ويمثل هذا التوجه إحدى المبادرات المهمّة بالنسبة لكفاءة الأسواق الاستهلاكية في الدولة، ومن ثم اقتصادها ككل، فهي خطوة نحو إرساء قواعد المنافسة في الأسواق، وسيكون لها دور محوري في رفع كفاءة هذه الأسواق وتمكينها من أداء دورها. إن فتح باب المنافسة أمام الشركات، وكذلك التجار ومنافذ البيع الرئيسيّة في مجال استيراد السلع والبضائع الاستهلاكية، سيكون له تأثير كبير ليس في ميزانية الأسر والمستوى المعيشي فقط، ولكنه ينطوي كذلك على مجموعة من العوائد الاقتصاديّة الأخرى، فهو خطوة ذات قيمة كبيرة تجاه تطوير المناخ الاستثماريّ في الدولة كلّها، حيث إنه يضفي المزيد من السيولة والحرية على ممارسة الأعمال التجارية في الدولة، ما سيجذب أنظار المستثمرين الأجانب والشركات الكبرى، وكذلك المستثمرين والشركات المحليّة، بخلاف الشركات التي تتمتع بدرجات عالية من السيولة الماليّة، للاستثمار في تجارة التجزئة، ما سيفتح آفاقاً جديدة لهذا النشاط، ويعطي الأسواق الاستهلاكية في الدولة مزيداً من الزخم، بما سينعكس بشكل إيجابي في النهاية على المستهلكين، وعلى الاقتصاد الوطني ككل. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.