يبدو أن حالات من عدم التسامح الديني وقعت في إندونيسيا مؤخراً جعلت بعض المراقبين يقلقون من أن يكون مديح الرئيس الأميركي للتسامح الديني في إندونيسيا خلال زيارته في نوفمبر 2010 مبالغاً فيه. عملت التصريحات الرسمية والبيانات الصادرة عن مسؤولي الحكومة الإندونيسية على إضعاف الثقة بالأقليات الدينية، وفاقمت النزاع بين الأقليات الدينية والغالبية السُنية من السكان في بعض المجتمعات الإندونيسية. ويبدو أن المسؤولين الحكوميين في إندونيسيا ينظرون أحياناً إلى قضايا الحريات الدينية من خلال عدسة مصالحهم السياسية، التي قد تكون محدودة. على سبيل المثال، أصبح وارداً بين المسؤولين الحكوميين في إندونيسيا تحييد الأقليات الدينية وتهميشها. وتتراوح جهودهم بين منع العبادة أو الممارسات الدينية، وتحديد الوصول إلى فرص العمل بناءً على أسلوب اللباس، إلى رفض طلبات تصاريح بناء أماكن عبادة وتنفيذ تفسيرات محافِظة للقانون الإسلامي. وهم يعتقدون بشكل خاطئ أن هذه الأعمال سوف تحدّ من النزاع بين الطوائف الدينية وفي الوقت نفسه قد تزيد من شعبية الساسة الذين يؤيدون هذه الأعمال. ومنذ تأسيسها عام 1945، رحبت إندونيسيا باتباع كافة الديانات في ممارساتهم لدياناتهم. ورغم أن سكان إندونيسيا مسلمين في غالبيتهم، تتعايش الديانات المتنوعة والطوائف الإسلامية المختلفة بسلام، ومنذ قرون خلت، تقف مساجد السُنة والشيعة جنباً إلى جنب مع المعابد الهندوسية والبوذية، (والتي تأسس بعضها منذ القرن السابع عشر). وقد تُركَت حتى جماعة الأحمدية الدينية، التي أتت إلى إندونيسيا في بداية القرن التاسع عشر تركت دون إزعاج حتى السنوات الأخيرة. وبالإمكان القول لحسن الحظ أن التسامح الديني في إندونيسيا ليس بالمجال المقتصر على الحكومة، حيث تحاول جماعات أخرى وبنشاط ملء الفراغ في هذه الجزئية المهمة، بالنسبة للاستقرار الاجتماعي. ورغم أن ثمة توجهاً مثيراً للقلق بين المسؤولين لتجنب النزاع بين الجماعات الدينية بدلاً من التعامل معه، من الأهمية بمكان عدم نسيان المبادرات البناءة العديدة المستمرة في إندونيسيا لجسر الصدوع بين المجتمعات الدينية المتنوعة بين الديانات وعبرها. ويجب أن يتم الاعتراف بفضل منظمات المجتمع المدني في إندونيسيا، حيث أنها تشكّل اليوم أعمدة التناغم الديني في البلاد. وضمن هذا الإطار، فإنه في مارس 2011، على سبيل المثال، قام مركز دراسات الإسلام والمجتمع بجامعة الدولة الإسلامية في جاكرتا بالتعاون مع السفارة الكندية بتنظيم مؤتمر دولي في العاصمة الإندونيسية لتشجيع التعددية الثقافية في جنوب شرق آسيا. وقد شكَّل المؤتمر الذي حضره علماء من دول في جنوب شرق آسيا وكندا وأستراليا فرصة للتشارك في خبرات حول ممارسة التعددية الثقافية، وأثار اهتماماً لإنشاء جهود ثنائية أو متعددة لتجميع الموارد ومواجهة التطرف المتصاعد. كذلك يجري تشجيع التعددية الثقافية على الأرض في إندونيسيا من خلال البرامج التدريبية في المدارس الدينية. تعرّف هذه البرامج كلا من الأساتذة والطلبة على مجموعة من الأساليب لخوض تجربة شعور من الإنسانية المشتركة في حياتنا اليومية، ويديرها ناشطون من المجتمع المدني من منظمات مثل مؤسسة بارامدينا، (وهي مؤسسة تعمل في مجال التعليم)، بالتعاون مع "مؤسسة آسيا"، وهي منظمة غير حكومية ملتزمة بتطوير منطقة سلام وازدهار في حوض آسيا الباسفيكي، ومؤسسة "كارونا بالي"، وهي منظمة غير حكومية توفر فرص التعليم والنمو الفردي لهؤلاء في بالي. وقد تم تدريب ما يزيد على 300 مدرس في تقنيات لتشجيع القيم الإنسانية العالمية مثل الحب والسلام والاحترام، ضمن مناهج مدارس كل منهم. وتعتبر القيم الإيجابية واحداً من أحجار الزاوية للنمو الذهني عند الأطفال، وفي بيئة محترمة ترتكز على القيم، يستطيع الطلبة تطوير اهتماماتهم وقدراتهم على العمل من أجل السلام واحترام الآخرين وتجنب العنف. تعمل جماعات المجتمع المدني الإندونيسي بشكل مستمر على إنتاج أفكار ومبادرات جديدة لدعم التناغم الديني والحفاظ عليه. ورغم أن الجماعات المتطرفة ما زالت تعكر صفو السلام، فإنها تواجه مقاومة شديدة من جماعات المجتمع المدني الذي يحب أفرادها وطنهم، ويتوقون للعيش بسلام وتناغم، ويعملون دون كلل لتشجيع التعددية الثقافية داخل المجتمع. جماعات المجتمع المدني هي التي تعمل على تغيير السياسات الحكومية التي تخون مبادئ الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ويجب أن تحظى بمديح أوباما. تيستر يونو باحث في مركز دراسات الإسلام والمجتمع بجامعة الدولة الإسلامية سياريف هداية الله- جاكرتا ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"