عما قريب سوف يكون بمقدور المجندين، رجالاً ونساء، من الشواذ الصرحاء، أن يخدموا في القوات المسلحة دون التعرض لأي مضايقات، وذلك بعد إعادة "فيلق تدريب الضباط الاحتياط" إلى العمل مرة أخرى. قد يبدو ذلك تقدما في نظر عديدين، لكن من يمكن أن يوصى في أيامنا الحالية أي أحد، سواء كان شاذاً أو طبيعياً، جامعياً أو غير جامعي، بالذهاب للالتحاق بالجيش. لقد تخرجتْ تواً دفعة 2011 في الأكاديمية البحرية الأميركية، والتي خدمت بها كأستاذ لمدة 24 عاماً، وأصبح أفرادها ضباطاً. تماماً مثل أفراد الدفعات المماثلة في أكاديميات القطاعات الرئيسية الأخرى التابعة للقوات المسلحة الأميركية (برية وجوية... إلخ). وجميع الخريجين في حاجة بالتأكيد لمعرفة ما هم مقدمون عليه، وما سيقومون به، وهل هو جهد عقيم أم مسعى نبيل؟ وما إذا كان وظيفة ذات منافع مضمونة قد تنتهي بهم إما للعودة إلى الوطن في نعش أو قضاء أعوام في إحدى دور التأهيل الطبي! لقد نلنا من بن لادن، لكن النشوة المترتبة على ذلك سوف تخفت، وسوف تستمر الحرب على الإرهاب كما كان الأمر من قبل. والحقيقة أنه بعد عقد من التدخل الأميركي في "الشرق الأوسط الكبير"، يبدو الهدف من إراقة دماء جنودنا واستنزاف أموالنا، هدفاً مراوغاً في أفضل الأحوال. وهناك عدد من الأسئلة في هذا السياق:كيف ينظر العسكريون إلى أنفسهم في هذا العصر الذي يبدو النصر فيه غير واضح، وتبدو فيه قيمة التدخل بالقوة المسلحة غاية في الضبابية؟ وما السبب الذي يمكن أن يدعو أي أحد للالتحاق بالجيش كضابط أو جندي؟ وهل كل المسألة أن من يلتحق بكلية عسكرية يوفر على نفسه نفقات التعليم الجامعي الباهظة، ويضمن وظيفة ذات دخل ثابت، وينجو من الحياة الخانقة في مدينة مغمورة أو بلدة صغيرة؟ قادة أميركا العسكريون لا يعطون إجابة محددة، لكن الأسئلة السابقة هي ما يجب أن يطرحه الأميركيون على أنفسهم. فالتطوع لخوض القتال لم يكن سهلاً في أي وقت، لكن هذه التضحية ستصبح أكثر قابلية للاحتمال عندما يكون الهدف منها واضحاً، وهو شيء لم يتحقق على مدى سنوات. وبالطبع فإن هذا الهدف لا يكون واضحاً أو قريباً من الوضوح عندما يكون متعلقاً بالأمن القومي. فعندما هاجم اليابانيون ميناء بيرل هاربر، لم يكن إقدام أميركا على إعلان الحرب قرار يحتاج إلى ذكاء، لكن السؤال حالياً: هل نحن في حالة دفاع عن النفس ضد ليبيا الآن؟ هل ما حدث في الحرب العالمية الثانية كان مسألة أمن قومي، والحرب التي نخوضها ضد ليبيا في الوقت الراهن مسألة أمن قومي أيضاً؟ لقد حاولت إدارة بوش تصوير العدو بأنه الإرهاب في عبارة "الحرب العالمية على الإرهاب"، رغم أن هذه الحرب ليست سوى تكتيك. والغريب أن أسماء الجنود الذين خسرناهم في تلك الحرب العالمية المزعومة ضد الإرهاب كانت مدونة على لوحات شرف، جنباً إلى جنب مع أسماء الجنود الذين خسرناهم في حرب فيتنام والحرب الكورية. والآن بعد أن تم التخلي عن عبارة الحرب العالمية على الإرهاب، من هو العدو أو ما هو تعريف العدو على وجه التحديد؟ استطلاعات الرأي تبين أنه ليس هناك معنى لخوض الحرب في أفغانستان، كما أن الخبراء في الولايات المتحدة ينخرطون حالياً في سجال حاد حول ما إذا كان مشروع بناء الأمم التي تضطلع به أميركا في أفغانستان هو مشروع "ملائم" للجيش الأميركي أم أن جهات أخرى، مدنية في الغالب، هي التي يجب أن تقوم به. وهناك سؤال آخر مهم وذو صلة: "كيف يمكن لنا أن نقنع شبابنا بالالتحاق بجيش، بينما العدو الذي يفترض أن يواجهه هذا الجيش غير معروف أو لم يعد معروفاً؟ إننا بحاجة إلى رؤية دقيقة لدور القوات المسلحة المكونة أساساً من متطوعين في عالم معقد ومتعدد الأقطاب. وهذه الرؤية يجب أن تعترف بأن الدفاع الوطني ليس دائماً السبب الرئيسي لاستخدام الجيش. كما يجب أن تعترف بأن الجيش يمكن أن يُساء استخدامه من قبل الساسة المدنيين الذين يريدون الظهور بمظهر السياسيين الأقوياء، أو الذين يشتغلون على تكوين إرث لهم. ويجب على تلك الرؤية أن تعرف أن التاريخ لا يرحم هؤلاء الذين يشنون حملات عسكرية "جديرة" و"نبيلة" إذا ما أدت إلى مقتل أو إصابة أعداد كبيرة من الجنود. إن هؤلاء الذين يلتحقون بالجيش اليوم ليس لديهم أي ضمان بأنه سوف يتم استخدامهم استخداماً صحيحاً، أو أنهم سوف يستخدمون على أي حال. وفي رأيي أنهم ليسوا بحاجة لهذا، بل كل ما يحتاجونه هو رؤية واضحة لدور الجيش وهو دور المطرقة في أيدي الساسة المدنيين، ذلك لأن الجيش في النهاية هو أداة يمكن استخدامها استخداماً صحيحاً أو خاطئاً، فهذا يتوقف على حصافة من يستخدمونها، لكن المهم هو أن تكون تلك الأداة (المطرقة) جاهزة للاستخدام حينما تستدعي الحاجة. هذا هو الفخر الذي يجب أن يعتز به العسكريون حقا، وليس الفخر المستمد من النصر، أو الفرح المستمد من تحديد هدف واضح من أهداف الجيش، كما أنه ليس فخراً مؤسساً على شعور بالتفوق على المدنيين الذين وجد الجيش أصلا من أجل حمايتهم. وهذه الفكرة المتعلقة بالاستعداد، والجاهزية الدائمة للاستخدام عندما تستدعي الحاجة، يجب أن تكون هي الأساس الذي يتم الاستناد عليه في الهيكلية الجديدة للجيش. إنها توفر الإجابة التي يمكن أن نقدمها نحن بدورنا على السؤال: ما الشيء الذي يمكن أن نقدمه، كسبب مقنع، لمن ننصحهم بالالتحاق بالجيش؟ وما الذي يجب أن نقوله لمن تخرجوا حديثاً من كلياتنا؟ هل نقول تهانينا؟! نعم، يجب أن نقول ذلك، وبأعلى صوت. بروس فليمنج أستاذ بالكلية البحرية الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"