في مقال الأسبوع الماضي، وتحت عنوان "مرج البحرين"، حللت من الناحية التربوية ما جرى خلال العقود الماضية، والذي أدى إلى الفتنة التي شهدناها في مملكة البحرين. عرجتُ على دور الأفكار المتطرفة في جعل البحرين تمر بتجربة صعبة، هذه المرحلة التي تمر بها قد تتعرض لها دول أخرى في المنطقة إنْ لم نحلل ذلك الحدث بالعقل والحكمة بعيداً عن العاطفة. الفكر المتطرف، والذي استغل أحداث التاريخ في بناء جيل من شباب البحرين يرى أن ولاءه العقدي مقدم على انتمائه لوطنه، وجعل أخاه الذي عاش معه ردحاً من الزمن عدواً له في العقيدة، فاستحل بهذا دمه وماله وعرضه، كما أن أهل الفكر المتطرف هؤلاء رموا أنفسهم في أحضان بعيدة جداً عن الأوطان، فأصبحوا حجارة في رقعة تحركهم أصابع من بعد. لو أضفنا على ما سبق خللاً في التنمية للإنسان كي يصبح مواطن له انتماء للأوطان، وغذينا ما سبق بأحداث جسام جرت هنا أو هناك دون حل واضح لهذه المشاكل، لأننا في فترة من الزمن كحكومات كان الاعتقاد السائد في المنطقة يقول ليس في الإمكان أفضل مما كان. لهذا الانسان في هذه الأوطان، وفجأة كان تحت الرماد نيران، تسعرت بغاز الجيران فتحولت إلى بركان. ما جرى في البحرين تجربة قاسية تدق ناقوس الخطر عند الجيران كي تقول لهم تحركوا اليوم قبل أن تلحقكم النيران، ومن أهم ما في الحراك لدى الجيران، ينبغي أن يلخص في إعادة النظر في كينونة هذا الانسان، فقد تعلم هذا المواطن الخليجي أينما كان أن هناك ما يعرف بحقوق الانسان التي ينبغي أن تصان، وأن ليس للإنسان من علو في الشأن إلا بما يستطيع تقديمه لهذه الأوطان. الدرس الآخر من تجربة البحرين يتلخص في مواجهة التطرف الفكري الذي يحاول البعض غرسه في جيل المستقبل، ومواجهة هذا الفكر المتطرف إنما تأتي بأن يكون لأهل الاعتدال مزيد من الشأن، وأن تعزز قيمة الولاء للوطن، وأن لاينبغي التساهل في هذه القضية تحت المبررات مهما كانت، فكل من كان له انتماء وولاء لفكر خارج الوطن إنما هو معول هدام. التهميش درس آخر ينبغي تعلمه، فكلما تم الترحيب بمن يقول دائماً نعم، وتم التباعد عن كل من كان له رأي قابل للحوار والنقاش، أصبح الناس يعيشون في جزر متباعدة، وأصبح لكل أهل "جزيرة" فكرهم ولغتهم وأجندتهم الخاصة بهم. وإن لم تتمكن الحكومات من مد جسور التواصل مع مختلف أهل الفكر اليوم، فإن "جزرهم" ستتباعد عن أوطانهم وتتقارب مع جيرانهم، وعندها تكون لغة الجيران مقدمة على خطاب الأوطان. وهنا تكمن الخطورة، الدور المطلوب هو مزيد من الحوار، حتى لايعرف التهميش إلا من أراد ذلك، وهؤلاء فئة محدودة ستنكشف أوراقهم للقاصي والداني. كان ما سبق بعض الدروس التي نتعلمها نحن أهل الخليج مما يجري الآن في البحرين على أمل أن توفق قيادة البحرين في إدارة الأزمة بالحكمة والعقل مع العقلاء والحزم والقوة مع العملاء حتى ينتهي هذا المرج، ويأتي من الله الفرج.