بعد مرور ما يزيد على عشر سنوات، بعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان، ووسط مناخ رهيب من عدم الأمن والاستقرار، أصبح من المؤكد ضرورة التفاوض من أجل إحلال السلام مع التنظيمات المسلحة الأفغانية. لكن من المؤكد أيضاً أن خلق طريق النجاح نحو إيجاد السلام الذي يمكن المحافظة على استمراريته يبقى بعيداً عن التحقيق. وتوجد أسئلة جوهرية حول رغبة وقدرة الأطراف الرئيسية الفاعلة داخل أفغانستان وخارجها للتوصل إلى حلول واتفاقات، والالتزام بها، حائرة لا توجد لها إجابات. وأيضاً يبقى محتوى الاتفاقات التي قد تعقد العملية السياسية التي سيتم عن طريقها ذلك غير واضحة أو مؤكدة. ويضاف إلى ذلك، أنه حتى لو رغبت جميع الأطراف ذات العلاقة في التفاوض لإيجاد تسوية، فإن التوصل إلى موافقة الجميع على ذلك أمر بعيد المنال. الثقة في أن توافق الأطراف الرئيسية على صيغة سلام تعتمد على شكل الصفقة ذاتها وطبيعتها، فمنذ 2009 ظهرت بعض المواقف المبدئية، لكن الولايات المتحدة وحكومة أفغانستان والفصائل المسلحة- يطلب الواحد منهم من الآخر وبثبات- تقديم تنازلات بدرجة غير مقبولة من الطرف الآخر، أو حتى غير منطقية كنطقة للانطلاق، فحكومتا أفغانستان والولايات المتحدة تدعوان الفصائل الأفغانية إلى نبذ تنظيم "القاعدة"، وإلقاء أسلحتها والقبول بالدستور الأفغاني المعمول به حالياً. وفي المقابل تطلب فصائل المقاومة انسحاباً فورياً لكافة القوات الأجنبية، وإزاحة حكومة كرزاي من السلطة، وتعديل الدستور لإقامة جمهورية إسلامية كشرط مسبق للدخول في حوار ومفاوضات. كل طرف سيدخل المفاوضات وهو يضع نصب عينيه نجاته السياسية اعتماداً على الشرط الذي يضعه، فحكومة قرضاي تشترط لنجاتها السياسية أن تبقى في السلطة -هكذا ببساطة- وبعبارة أخرى، حكومة كرزاي، لن تبرم أي صفقة تطلب منها فيها أن تتنحى عن السلطة فوراً، فسيناريو من هذا القبيل أسوأ لديها من المحافظة على الوضع القائم. أما بالنسبة لـ"طالبان"، أكبر فصائل المقاومة حالياً، فإن الشرط الأول هو انسحاب القوات الأجنبية، والنجاح الذي تحققه لا يعتمد على الأيديولوجيا الدينية وحدها، لكنه يعتمد في المقام الأول على مقاومة القوات المحتلة ونظام كرزاي. وفي هذا السياق من الصعب جداً إنْ لم يكن من المستحيل، قبول أي صيغة تتوافق مع حكومة كرزاي. أما حكومة الولايات المتحدة، فإن شرطها الأول المؤكد والثابت، فهو تخلي "طالبان" التام عن تنظيم "القاعدة"، الذي يعد السبب الذي دفع الولايات المتحدة إلى غزو أفغانستان، وهذا إلى الآن يبدو أمراً صعباً لأسباب موضوعية يطول شرحها. خلاصة القول إنه مع اقتراب الموعد الذي حددته الولايات المتحدة لنفسها للانسحاب من أفغانستان، وحتى وإن شاءت كافة الأطراف التفاوض، وتواجدت مساحة كافية للتوصل إلى اتفاق ناجح بغض النظر عن الخطوط الحمراء، فإن التوصل إلى حل نهائي للمسألة الأفغانية، سيبقى تحدياً حقيقياً للجميع. فبين كافة الأطراف الداخلة في اللعبة توجد حالة أساسية من عدم الثقة في الآخرين، وليس من الواضح ما إذا كانت حكومة كرزاي أو الفصائل المسلحة المتعددة، ربما باستثناء "طالبان"، تستطيع أن تبقى على طاعة وانتظام أتباعها في حالة التوصل إلى اتفاق لا يرضيهم جميعاً. لذلك توجد حاجة إلى وجود قيادات قوي لدى كافة الأطراف تستطيع القيام بأمرين: أولاً، صياغة الاتفاقات التي ستعقد، وثانياً، التوصل إلى اتفاقات لا تحظى بالشعبية في الأوساط الأفغانية كافة، فمن هي تلك القيادات التي تستطيع القيام بكل ذلك، ومن أين ستأتي؟