استأنفت الهند والصين التبادلات العسكرية بينهما بعد جمود دام قرابة العام، فخلال الآونة الأخيرة، قام وفد عسكري هندي برئاسة الجنرال "جورميت سينج" بزيارة للصين دامت أسبوعاً، التقى خلالها أعضاء الوفد نظراءهم الصينيين من أجل مناقشة مواضيع خلافية بين البلدين الجارين. وتكتسي زيارة الوفد العسكري الهندي أهمية خاصة من حيث كونها تأتي بعد أكثر من عام على قرار الهند إلغاء زيارة وفدها العسكري إلى الصين، وذلك رداً على قرار بكين منح رئيس الوفد الهندي، الذي كان أيضاً قائداً لقيادة الجيش الشمالي الهندي في كشمير، تأشيرة الدخول على ورقة منفصلة وإرفاقها بجواز السفر بدلًا من طبع التأشيرة على جواز السفر. وكان منح تأشيرة على ورقة منفصلة ترفق بجواز السفر عملًا غير مألوف كلياً. وقد فُسر الأمر على أنه إشارة إلى عدم اعتراف الجانب الصيني بحق الهند في كشمير، لأن قيادة الجيش الشمالي تسيطر على الجزء الهندي من كشمير. وللرد على هذا القرار الصيني والبعث برسالة قوية إلى الجانب الآخر، قررت الهند آنذاك إلغاء تلك الزيارة في 2010، وتعليق كل التبادلات العسكرية بين البلدين. وكانت الصين قد دأبت خلال ردح من الزمن على إصدار تأشيرات سكان الجانب الهندي من كشمير على أوراق منفصلة، في حين يُمنح هنود آخرون تأشيرات عادية تطبع على جوازات سفرهم. وكانت الهند تحتج على هذه الممارسة الصينية وتفسرها بأنها رفض من قبل الصين الاعتراف بكشمير جزءاً لا يتجزأ من الهند. ويُنظر إلى هذه الممارسة الصينية في الهند باعتبارها دعماً لباكستان الذي تربطه بالصين علاقات ثنائية متينة. والحال أن العالم كله يدرك أن كشمير تشكل جوهر الخلاف بين الهند وباكستان. وعقب الرد الهندي القوي، أشارت الصين رسمياً إلى أنها ستمنح أعضاء الوفد العسكري الهندي تأشيرات عادية مطبوعة على جواز السفر، رغم أن رئيسه هو قائد الجيش الشمالي. وفي الوقت الراهن، يبدو أن هذا الملف قد طوي مع زيارة أعضاء الوفد العسكري الهندي لوحدات عسكرية صينية وعقدهم محادثات مع نظرائهم في بكين وشنغهاي وكزينجيانج؛ إلا أنه وعلى غرار كل شيء آخر في العلاقات الهندية الصينية، فإن هذا موضوع من المرجح أن يصعد إلى الواجهة مرة أخرى مستقبلًا. ومرد ذلك إلى نقص كبير في الثقة من كلا الجانبين، فرغم أن الصين هي الشريك التجاري الأول للهند، وأن كلا البلدين يجدان أن التعاون والتكاتف بينهما في المحافل والمنتديات الدولية مثل المفاوضات حول تغير المناخ مفيد لكلا الجانبين، إلا أن ثمة العديد من أسباب التوتر بين البلدين، اللذين سبق أن خاضا حرباً طويلة في أوائل الستينيات من القرن الماضي. فهناك النزاع الترابي بين البلدين حول ولاية "أروناشال براديش" الواقعة شمال شرق الهند التي تزعم الصين أنها جزء من أراضيها، حيث يتسلل الجيش الصيني كل عام ويدخل إلى داخل هذا الإقليم الهندي، ثم هناك موضوع المياه بين البلدين. والواقع أن العلاقة الهندية الصينية أشبه ما تكون بالأرجوحة، فهناك أسابيع جيدة وأسابيع سيئة. وهذا الأسبوع كان جيداً مع الزيارة التي قام بها الوفد العسكري الهندي والتي لم تكن التطور الإيجابي الوحيد بين البلدين. أما الخبر الجيد الآخر، فقد كان في مجال تقاسم المياه. فالبلدان ليس بينهما أي اتفاق لتقاسم المياه، ولذلك هناك دائماً قلق على الجانب الهندي بشأن تحويل المياه في أي من الأنهار الثلاثة التي تصب في الهند من الصين. ومن هذه الأنهار الثلاثة، براهمابوترا، المعروف على الجانب الصيني باسم يارلونج تسانجبو، وهو نهر مهم بالنسبة للهند. وكانت الهند قد أعلنت العام الماضي أنها بصدد إنشاء محطة للطاقة الكهرومائية بقيمة 1.2 مليار دولار على نهر "براهمابوترا"، مشيرة إلى أن المشروع لن يؤثر على تدفق المياه إلى بلدان المصب. غير أن هذا التطمين لم يكن كافياً بالنسبة للهند، ذلك أن هذا النهر يكتسي أهمية بالغة بالنسبة للجزء الشمالي الشرقي من الهند، وبخاصة بالنسبة لولايتي أسام وأروناشال براديش اللتين تعتمدان على مياه هذا النهر لأغراض السقي. وفي هذه الأثناء، أسهمت تقارير إعلامية تفيد بأن الصين تخطط لبناء عدة سدود في تأجيج التوتر حول موضوع السد، غير أن الحكومة سارعت إلى تبديد كل المخاوف، حيث تلقى رئيسا الحكومتين المحليتين في "أسام" و"أروناشال" تطمينات بأن المخططات الصينية على النهر لن تؤثر على تدفق المياه إلى الهند. كما أعلنت الهند أن لديها صوراً ذات جودة عالية التقطت بواسطة الأقمار الصناعية تُظهر الطبيعة الدقيقة لمشاريع البناء التي تتم على النهر. وتُظهر صور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها الهند أنه على الرغم من أن أشغال البناء متواصلة على قدم وساق، إلا أنه لم يطرأ أي تغيير على جريان النهر. وفي وقت تواصل فيه الهند والصين نموهما في آسيا اقتصادياً وعسكرياً، فإنه مازالت ثمة نزاعات وخلافات بين البلدين. والأكيد أن موضوع التأشيرة بالنسبة لسكان كشمير وموضوع تقاسم المياه سيظلان موضوعين مثيرين للتوتر في العلاقات الثنائية. غير أنه وخلافاً للعلاقة الهندية الباكستانية، فإن الجانب الإيجابي في العلاقة الهندية الصينية هو انعكاس لحقيقة مفادها أن كلا البلدين قررا قبل سنوات ألا يسمحا للمشاكل العالقة مثل النزاع الحدودي، أو أي موضوع خلافي آخر بأن "يختطف" العلاقة برمتها. وعليه، فبينما تستمر المحادثات حول النزاع الحدودي، يتقدم البلدان في مجالات أخرى من علاقتهما الثنائية. وبالتالي، فإن نجاح القصة الهندية الصينية يكمن في أن كلا البلدين يواصلان تقدمهما إلى الأمام، ولم يسمحا لعلاقاتهما الثنائية بالركود في أي مرحلة من المراحل.