الوصاية بكل أنواعها ومستوياتها كانت تمثل داءً عضالًا حال دون انطلاق الطاقات العربية الشابة في مختلف المجالات، بل لقد شكلت قيداً على الفكر والإبداع حتى اعتاد الناس على ذات الوجوه التي يفترض أن يتلقوا منها الفكر والتوجيه، والتي مارس بعضها دوراً مدمراً في حق العقول العربية الناشئة حتى لا تخرج عن إطار الوصاية. وقد التقيت بأحد رموز النخبة العربية المثقفة بعد انطلاق احتجاجات الشباب المصري بأسبوع وسألته عن توقعاته فأجاب بكل ثقة أن الأمر لن يطول أكثر من أيام معدودة حتى يقضي النظام على هذه الاحتجاجات. وكان يتحدث بكل ثقة عن الواقع المصري، وأنه لا أمل في التغيير. ومن الحجج التي ساقها لتبربر رأيه أنه لا توجد قيادة مؤهلة لقيادة التغيير في مصر. وبعد نجاح التغيير وجدته كغيره من النخب المثقفة يقدم التوجيهات والنصائح للشباب! لقد فشلنا في قراءة واقعنا، ولأننا خسرنا ثقتنا في أنفسنا كأمة عربية ظننا أن جيل الشباب سيسير على طريق الآباء في العيش بلا أمل أو مستقبل. والحقيقة الكبرى التي لابد أن نقر بها جميعاً هي أن 50 في المئة من عدد السكان في العالم العربي هم تحت سن الـ25، وأن هؤلاء قد تجاوزوا القوالب الفكرية والنفسية التي ابتلينا نحن بها، وأن لهم قيمهم ورؤاهم التي يؤمنون بها. ولديهم كامل الاستعداد للتضحية بالغالي والنفيس لتحقيقها. وأنهم لا يقبلون بوصاية أحد عليهم مهما كان نوع هذه الوصاية سواءً كانت دينية أو سياسية أو اجتماعية أو غيرها. ولعل أبرز مثال على ذلك هو سقوط الوصاية الإعلامية، فنجد أن نسبة متابعة الإعلام الرسمي لدى هؤلاء الشباب تكاد تكون معدومة إلا في المجال الرياضي والترفيهي، وأنهم أقاموا عالمهم الافتراضي من خلال شبكة الإنترنت حيث لا وصاية لأحد عليهم سوى ضمائرهم. ومهما حاولت الأنظمة وضع قيود تحد من حريتهم فإنهم يسارعون إلى تجاوز هذه القيود بكل يسر وسهولة، وخير دليل على ذلك أحداث تونس ومصر وليبيا وسوريا. هؤلاء الشباب في تونس ومصر ماضون في بناء مستقبلهم مهما تعاظمت التضحيات، والاستماع إليهم والتحاور معهم هو خير طريق لبناء الأوطان. وإن الإصلاح عملية مستمرة يحتاج إليها كل نظام حتى يجدد نفسه، ويحافظ على منجزاته، ويستفيد من كل الطاقات في مجتمعه. وإن الوطن يسع الجميع، والحفاظ عليه مسؤولية مشتركة لجميع أبنائه، ولذا فكما أنه مطلوب من بعض الأنظمة الحاكمة أن تتفهم مطالب الشباب فكذلك على الشباب إدراك أن بناء الأوطان ليس عالماً افتراضيّاً كالذي يعيشونه على الإنترنت، وإن عملية الإصلاح لا تتم بين يوم وليلة، ولكنها تراكمية وتدريجية و تتطلب تضافر جهود الجميع لكي يتحقق الهدف المنشود منها.