تتزايد التكهنات التي تشير إلى قرب تفكك منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك"، تلك المنظمة التي تبنت ودافعت عن مصالح البلدان النامية المنتجة للنفط، والتي تشكل البلدان العربية نصف أعضائها تقريباً. لقد تأسست المنظمة قبل خمسين عاماً في العاصمة العراقية بغداد، وواجهت على امتداد تاريخها مصاعب وأزمات، إلا أنه لم يجر الحديث قط عن عملية التفكك إلا مؤخراً، مما يعتبر مؤشراً على عمق التفاوتات والخلافات بين البلدان الأعضاء في المنظمة، التي شجعت على زيادة الضغوط عليها من قبل البلدان المستهلكة ممثلة في وكالة الطاقة الدولية التي عمدت مؤخراً إلى ضخ 60 مليون برميل من مخزونها الاستراتيجي من النفط، مما أدى إلى انخفاض الأسعار وزيادة الاتهامات والاتهامات المضادة بين البلدان الأعضاء في المنظمة. هل شاخت منظمة "أوبك"؟ أم أن هناك تطورات عالمية وإقليمية أوجدت تناقضات مستجدة بين البلدان الأعضاء بحيث طغت على المصالح المشتركة التي تجمع تلك البلدان في نطاق "أوبك"، والتي حققت لهذه البلدان مكاسب كبيرة على مدى العقود الخمسة الماضية، ففي السبعينيات تضاعفت أسعار النفط خمس مرات، وذلك بفضل تلاحم أعضاء المنظمة، أما في العقود التالية، فقد تدخلت "أوبك" بصورة منسقة لحماية أسعار النفط وتثبيتها قدر الإمكان عند مستويات عادلة، مما حقق للبلدان الأعضاء بشكل خاص والبلدان المصدرة بشكل عام، عوائد كبيرة ساهمت في زيادة معدلات النمو والبناء في البلدان المنتجة للنفط. ويبدو أن هناك العديد من العوامل التي تستغل الآن لمحاولة وضع نهاية لـ"أوبك"، وبالتالي حرمان البلدان المصدرة للنفط من إحدى أهم وسائلها الخاصة بالدفاع عن مصالحها في العلاقات الاقتصادية الدولية. ويتمثل العامل الأول في أحداث المنطقة العربية التي أدت إلى تدهور صناعة النفط وغياب الرقابة الحكومية من جهة، كما هو الحال في ليبيا والعراق، وإلى زيادة حدة الخلافات بين البلدان الأعضاء في المنظمة بسبب تفاوت مواقفها من الأحداث العربية بين مؤيد ومعارض، وبالتالي انعكاس ذلك بصورة سلبية على علاقاتها داخل أروقة المنظمة من جهة أخرى. أما العامل الثاني، فيتمثل في سعي البلدان المستهلكة لاستغلال هذه الظروف لتفكيك غريم تاريخي طالما حاولت إرغامه على التجاوب مع مصالحها المتمثلة في سياسات وكالة الطاقة الدولية، التي تأسست في منتصف السبعينيات. ويتمثل ثالث هذه العوامل في السعي إلى إعادة ترسيم العلاقات في صناعة النفط العالمية لتعبر عن مصالح الاصطفاف الجديد في العلاقات الدولية، حيث فقدت شركات النفط الوطنية في البلدان المنتجة بعض مواقعها في السنوات الأخيرة لصالح الشركات العالمية التي استعادت بريقها السابق. وتشير مجمل هذه التطورات إلى أن حدة الصراع حول "أوبك" وحول النفط بشكل عام ستشتد في الفترة القادمة، إذ ربما يكون رأس "أوبك" هو المطلوب، وذلك بعد أن انتهت من الناحية العملية بعض مؤسسات العالم النامي، كدول عدم الانحياز. وفي كل الأحوال، فإن وضع منظمة "أوبك" يختلف تماماً عن مثيلاتها من مؤسسات العالم النامي، إذ إنه يرتبط مباشرة بأهم سلعة تتوقف عليها عملية النمو برمتها في الدول المصدرة للنفط، التي هي في معظمها دول نامية لا زال أمامها الكثير لتنجزه على طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومن هنا فلابد أن تعمل البلدان الأعضاء في منظمة "أوبك" على طي أو على الأقل تقليص خلافاتها في اجتماعها الأسبوع المقبل، وإلا، فإن الخطر الذي يتهددها لن يستثني أحداً من أعضائها، مما سيعد انتكاسة كبيرة لصناعة النفط الوطنية في البلدان النامية بشكل عام، وفي البلدان الأعضاء في منظمة "أوبك" على وجه الخصوص.