تحل نهاية هذا الأسبوع، ذكرى مرور واحد ستين عاماً، على ذلك اليوم الذي قامت فيه مدفعية كوريا الشمالية بفتح نيرانها بموازاة نقطة الحدود رقم 38، لتبدأ الحرب الكورية التي حصدت أرواح ما يزيد عن 33 ألف جندي أميركي، و100 ألف متطوع صيني، و2 مليون كوري. واليوم، بعد مرور كل تلك السنوات، لا يزال بناء سلام دائم في شبه الجزيرة الكورية هدفاً عصياً على التحقيق. ليس هذا فحسب، بل إن شبه الجزيرة باتت، في الحقيقة، أكثر خطورة مما كانت عليه في أي وقت حيث أجرت كوريا الشمالية تجربتين على أسلحة نووية، وتعمل في الوقت الراهن على تطوير صواريخ حاملة لها، كما بنت منشآت قادرة على إنتاج يورانيوم عالي التخصيب، لإنتاج المزيد من الأسلحة النووية. ليس هذا فحسب، بل تحدت كوريا الشمالية أيضاً حظر الأسلحة المفروض عليها من قبل الأمم المتحدة، واستمرت في تصدير الأسلحة والتقنيات الحساسة لشركائها سيئي السمعة مثل ميانمار. وفي العام الماضي، الذي يعتبر الأكثر دموية منذ 1953 -عام الحرب الكورية - أطلقت كوريا الشمالية طوربيداً على سفينة حربية كورية جنوبية، ما أدى إلى مصرع 46 من بحارتها، كما شنت هجوماً بالمدفعية على جزيرة "يون بيونج" أسفر عن مصرع أربعة كوريين جنوبيين (عسكريين ومدنيين). وكانت استجابة الولايات المتحدة لكل ذلك محسوبة، ولكنها حازمة في الوقت ذاته، غير أنها لم تكن كافية، ومقاربتنا الحالية في التعامل مع بيونج يانج القائمة على العقوبات المشددة، والتنسيق الوثيق مع كوريا الجنوبية واليابان، لم تقدم ما يكفي من نفوذ وزخم لازمين لإحلال الاستقرار في المنطقة، ناهيك عن إحداث تغيير في سلوك كوريا الشمالية، بعد مرور ما يزيد على ثلاث سنوات على آخر جولة من المباحثات السداسية الرامية لإزالة الأسلحة النووية لهذه الدولة.وإذا تركت كوريا الشمالية دون كبح، فإن بيونج يانج سوف تعمل على إنتاج المزيد من الأسلحة النووية وإجراء اختبارات عليها، وتطوير الصواريخ القادرة على تهديد الولايات المتحدة مباشرة. ما هي البدائل المتاحة أمامنا؟ إن العودة المباشرة إلى المحادثات السداسية (التي كانت تضم كوريا الشمالية، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة، وروسيا، والصين، واليابان)، ليست بالبديل القابل للتنفيذ... لماذا؟ لأن كوريا الجنوبية لن توافق أبداً على الاشتراك في تلك المحادثات، ما لم تقم كوريا الشمالية بالاعتذار عن سلوكها السيئ في الآونة الأخيرة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، نجد أن كوريا الشمالية المنشغلة الآن في الاستعداد لتوريث القيادة في عام 2012، لا تميل إلى التعاون من أجل تنفيذ هذا الخيار، خوفاً من الظهور بمظهر الدولة الضعيفة. ومما يفاقم من الموقف أن نظام بيونج يانج معتاد على رفض النصائح الجيدة، حتى لو كانت هذه النصائح مقدمة من الدولة الراعية له وهي الصين، التي ترفض من جانبها الضغط أكثر مما ينبغي على نظام كوريا الشمالية، خوفاً من سقوطه، وخوفاً من التداعيات التي يمكن أن تترتب على ذلك، والتي قد لا يمكنها السيطرة عليها. البديل الأفضل من وجهة نظري، هو التعامل المباشر مع كوريا الشمالية لقد مللنا من التصرفات الخطرة للنظام الكوري الشمالي، أي ما اعتاد عليه من القيام برفع مستوى التوتر تدريجياً، ثم المطالبة بالدخول في مفاوضات - بعد الوصول بالأمور لحافة الهاوية - ثم تقديم التنازلات، ثم تكرار العملية مجدداً. لكن، إذا كانت كوريا الشمالية هي "أرض الخيارات الرديئة" كما أسماها أحد الخبراء السياسيين، فإن العجز عن الفعل وحده، هو الذي سيفاقم من خطورة الموقف الخطر في الأصل. وهذا تحديداً السبب الذي يجب أن يدعونا- بالتشاور مع حلفائنا الكوريين الجنوبيين- إلى استكشاف الخطوات التي يمكن أن تخفض مستوى التهديد، وتعود بنا إلى الطريق المؤدي نحو نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية. وتحقيق النزع الكامل للأسلحة النووية سيستغرق وقتاً بالطبع، ولكن يجب علينا - في المدى القريب - أن نعمل على التفاوض من أجل وضع نهاية لتخصيب اليورانيوم في كوريا الشمالية، مع تقديم إنذار نهائي لها بالامتناع عن اختبار الأسلحة والصواريخ النووية، والتخلص من قضبان الوقود المستنفد القادرة على إنتاج المواد الانشطارية، والتفكيك النهائي لمنشأة "يونج بيون" النووية. هذه أهداف جديرة بالتحقيق في المدى المتوسط، على امتداد الطريق المؤدي إلى النزع الكامل، والقابل للتحقيق، للأسلحة النووية. ومما لا شك فيه أننا إذا أخذنا الوضع الحالي للعلاقات بيننا وبين كوريا الشمالية في الاعتبار، فإننا سندرك أننا لن نكون قادرين على الشروع فوراً في محادثات، على هذه الدرجة الكبيرة من الحساسية. من النقاط الجيدة التي يمكن انطلاق المحادثات مع كوريا الشمالية منها، استئناف عمليات استعادة الجنود الأميركيين الذين ما زالوا مفقودين من زمن الحرب الكورية - وهي العمليات التي علقت عام 2005، من قبل وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد. وكوريا الشمالية لديها الرغبة في استئناف هذه العمليات، وهو ما سيفتح قناة مباشرة للتواصل مع جيش الشعب الكوري الشمالي، ويسمح بعودة جنود الولايات المتحدة إلى ساحات المعارك التي دارت مع كوريا الشمالية في مهمة مقدسة، تهدف لضمان أنه لن يتم ترك أي جندي أميركي مفقود. يجب علينا أيضاً استئناف المساعدات الغذائية المراقبة بدقة، والمقدمة من الولايات المتحدة لأطفال كوريا الشمالية الجوعي وغيرهم من فئات سكانها الأكثر انكشافاً. وإذا سمحت كوريا الشمالية بالمراقبة الدقيقة لهذه العمليات، كما فعلت من قبل عندما قامت المنظمات الأميركية غير الحكومية بتسليم المساعدات الغذائية بنفسها عام 2008، فإنه يجب على الولايات المتحدة في هذه الحالة الحرص على إظهار تعاطفها -خلال هذه العملية بأسرها - مع أطفال كوريا الشمالية الجوعى. وما يمكن قوله في نهاية المطاف أن إعادة بناء العلاقة مع كوريا الشمالية أمر ضروري لحل مغاليق اللغز النووي لتلك الدولة، وصياغة سلام دائم معها. فدعونا نشرع في ذلك من دون إبطاء. جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي ينشر بترتيب مع خدمة "إم.سي. تي. إنترناشونال"