يمكن أن يكلف التردد كثيرين حياتهم سواء كان ذلك في الحرب أو في الدبلوماسية. ومن هنا يمكن القول إن الولايات المتحدة و"الناتو" كانا على حق عندما قررا التدخل في ليبيا هذا الربيع: فقوات القذافي كانت على أبواب بنغازي، ولم يكن أمامها سوى ساعات قلائل كي تجتاح المدينة، وتضع نهاية وحشية لكفاح الشعب الليبي، من أجل التحرر من ديكتاتورية القذافي التي تكتم أنفاسه منذ أكثر من 40 عاماً. ولم ينس الليبيون الدور الذي لعبته قيادة الولايات المتحدة في اللحظة التي كانوا فيها بأمسِّ الحاجة إليها. هم والحلفاء يراقبون الآن الجدل الدائر بين أوباما والكونجرس، حول أي من منهما يمتلك السلطة بتفويض المهمة -وهي السلطة التي رفض مجلس النواب منحها للرئيس يوم الجمعة الماضي- وحول ما إذا كان الرئيس يستطيع الاستمرار في تقديم الدعم العسكري لليبيا. ويدرك قادة المعارضة في ليبيا، وأعضاء المجلس الوطني الانتقالي، أن هذا الجدل يجب أن يحل داخل الولايات المتحدة وليس خارجها. ولكن بخلاف الجدل حول صلاحيات الحرب، يمكن للرئيس الأميركي أن يمنح المجلس الانتقالي الكثير مما يحتاجه بضربة دبلوماسية واحدة، حيث إن صلاحية الاعتراف بالحكومات الوريثة في الدول الأجنبية يعتبر من اختصاص السلطة التنفيذية الأميركية وحدها. وقد اعترف الرئيس بالمجلس الوطني الانتقالي باعتباره "المفاوض الشرعي للشعب الليبي"، كما التقت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بزعماء المجلس، ووصفته بأنه المؤسسة التي تقوم الولايات المتحدة من خلالها "بالتعاطي مع الشعب الليبي". وهناك أيضاً دول منها ألمانيا وكندا وقطر والولايات المتحدة والأردن وغيرها، منحت المجلس نوعاً من الاعتراف. وعندما زار جيف فيلتمان مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط، ومساعد وزيرة الخارجية الأميركية بنغازي هذا الشهر، وجد فرصاً متجددة ولمس شعوراً بالبهجة والعرفان بالجميل للولايات المتحدة لم يسبق أن رأى مثيلًا له خلال خدمته في السلك الدبلوماسي. وكتب فيلتمان مقالًا قال فيه "يبدو المجلس الوطني الانتقالي صادقاً في التزامه ببناء ليبيا ديمقراطية إدماجية تمثل شريكاً لنا" وأضاف: "إن أعضاء المجلس يعملون من أجل بناء مؤسسات فعالة ومسؤولة من نقطة الصفر، وسط الصراع الدائر". ولو تم منح المجلس الوطني اعترافاً دبلوماسيّاً كاملًا -وهو ما لم تقم به أميركا حتى الآن حيث اكتفت بدعوة المجلس إلى فتح مكتب في واشنطن دون أن يكون له حق دخول مباني السفارة الليبية واستخدام أصولها ومعداتها وحساباتها البنكية- فسيؤدي ذلك إلى شرعنة كفاح المجلس بالنيابة عن الشعب الليبي ضد نظام القذافي، وسيحرم القذافي من أي وضع قانوني أو دبلوماسي يمكنه من الادعاء بأنه زعيم ليبيا الشرعي، كما سيمكن المجلس من الإشراف على مبلغ 34 مليار دولار هي قيمة أصول القذافي المجمدة في الولايات المتحدة (والتي تعود ملكيتها في الأصل للشعب الليبي)، وهو ما سيؤدي في مجمله إلى اطمئنان المجتمع الدولي بأن المجلس الوطني الانتقالي، وليس نظام القذافي، هو صاحب الحق في التصرف في موارد ليبيا المادية والطبيعية. وفي الوقت الراهن ينفد ما لدى المجلس الوطني الانتقالي من أموال، في حين تمكن القذافي، الذي نجح في إنشاء نظام متقن من التعاملات السرية على مدى 30 عاماً هي عمر العقوبات الدولية المفروضة عليه، في توفير ما يحتاج إليه من أموال لدفع مرتبات المرتزقة الأجانب، الذين يخوضون الحرب الحالية في صفوف قواته، وأيضاً لدفع قيمة وارداته المهربة من الوقود والإمدادات. وكان أوباما قال: "إن سياسة الولايات المتحدة تعمل من أجل ضمان رحيل القذافي"، ولم يكتف الرئيس بذلك بل دعم هذه السياسة عسكريّاً، وإن بثقل دبلوماسي محدود، مدركاً أن توفير الاعتراف القانوني والدبلوماسي الكامل للمجلس الوطني الانتقالي، بما يترتب على ذلك من مزايا، سيؤدي إلى تعزيز وضع المجلس، وتحسين قدرته على تحقيق هذا الهدف بأسرع ما يمكن، دون إضافة المزيد من الأعباء العسكرية على الولايات المتحدة، أو على دافع الضرائب. تقليديّاً، تعترف الأمم الأخرى بالحكومات الجديدة، عندما تكون لدى مثل هذه الحكومات -إلى جانب أشياء أخرى بالطبع- سيطرة على أراضيها، وسلطة عامة على شعبها، وقدرة على الدخول في اتفاقيات مع الدول والكيانات والمنظمات الأخرى. ومن المعروف أن المجلس الوطني الانتقالي يسيطر على معظم ليبيا، ويتصرف كحكومة، ويحافظ على النظام والقانون، ويوفر الخدمات الأساسية والدعم للشعب الليبي، كما أبرم اتفاقيات مع دول أخرى مثل إيطاليا، والكويت، ودولة الإمارات، للحصول على قروض وغير ذلك من أنواع الدعم. وقد أدرك حلفاؤنا في أوروبا والشرق الأوسط أنهم باعترافهم بالمجلس الوطني الانتقالي، وإتاحة الإمكانية له للوصول إلى الأرصدة المالية الخاصة بالشعب الليبي، فإنهم سيعززون شرعيته. ويجب على أميركا في هذا المقام أن تتذكر أن فرنسا وهولندا والمغرب قد اعترفت جميعها بالولايات المتحدة قبل أن يتمكن الأميركيون من هزيمة البريطانيين في "الحرب الثورية". وفي الشهر الماضي أعلن 23 مجلساً إقليميّاً وقبيلة (تضم مجلساً ممثلًا للنساء فقط، وقبيلة تنتمي إلى مسقط رأس القذافي) دعمهم غير المشروط للمجلس الوطني الانتقالي، خلال مؤتمر عقد في دولة قطر، كما أعرب المزيد من القبائل والمجالس الإقليمية الأخرى عن دعمهم للمجلس منذ ذلك التاريخ. إن حق تقرير المصير يعتبر من الحقوق التي تندرج ضمن المثل والقيم التي تؤمن بها الولايات المتحدة. وهو ما يوجب علينا أن نقدم اعترافاً دبلوماسياً باحتياجات المجلس الوطني الانتقالي حتى يتمكن الشعب الليبي من كسب حريته بأمواله وشروطه. ديفيد إم. تافوري المستشار القانوني للمجلس الوطني الانتقالي الليبي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس"