لم تكن جميع التداعيات التي حملتها "الأزمة المالية العالمية" في الجانب السلبي، فهي وإن كانت كذلك بالنسبة إلى بعض البلدان التي عانت وتكبّدت خسائر كبيرة ما زالت اقتصاداتها تئنّ منها كما هي الحال في دول "منطقة اليورو" والولايات المتحدة واليابان ودول أخرى، فقد كانت بعض التداعيات على وجه مخالف لدى دول أخرى استطاعت بفضل استقرارها وبنيتها الاقتصادية أن تمتصّ الصدمات المترتبة على الأزمة، وأن تواصل نموّها الاقتصادي والتوسّع في أنشطتها، وهناك أمثلة عدة على هذه الدولة التي تنحصر في مجموعة الدول الصاعدة في آسيا وأميركا الجنوبية وبعض دول الشرق الأوسط والقارة الأفريقية. إن اقتصاد إمارة أبوظبي ظل طوال الفترات المنقضية من "الأزمة المالية العالمية" حتى الآن ضمن الاقتصادات القادرة على النمو، وبرغم أنه قد واجه بعض التحديات على المستوى الداخلي، فإنه ظل متماسكاً وباعثاً على الثقة بالمستقبل، وبرغم أن القطاع العقاري في إمارة أبوظبي قد شهد تراجعاً نسبياً في قيم الأصول المتداولة مقارنة بما كان سائداً قبل "الأزمة المالية"، فإن هذا التراجع ظلّ في نطاق التحرّكات السعرية التصحيحية، التي هدّأت من وتيرة ارتفاع أسعار العقارات وإيجاراتها، فكان لها عدد من الإيجابيات على اقتصاد الإمارة كلها، فهي بداية ساعدت على تخفيف أعباء المعيشة عن كاهل سكان الإمارة، وقلّصت ميزانية الإسكان التي كانت تتحمّلها الأسر، ما مكّن هذه الأسر من إعادة هيكلة ميزانيتها بشكل أفضل، وبتوازي هذا التطوّر الإيجابي مع استمرار حصول العاملين في الإمارة على الدخول المرتفعة نفسها التي كانوا يحصلون عليها قبل "الأزمة المالية"، فقد أدّى ذلك إلى تحسّن مستويات المعيشة في الإمارة بشكل عام، حتى باتت الإمارة في نهاية عام 2010 هي المكان الأكثر تفضيلاً للمعيشة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفقاً لمؤسسة "بيت دوت كوم". إن تزامن الحركة التصحيحية التي شهدتها أسعار الأصول العقارية وقيمها في إمارة أبوظبي منذ بداية "الأزمة المالية العالمية"، حتى الآن مع حالة التماسك التي بدت واضحة على القطاع العقاري ساعد على توسيع حجم هامش الأرباح والعائدات التي يمكن أن يحصل عليها المستثمرون في حال إقدامهم على استغلال الفرص الاستثمارية التي يوفّرها القطاع العقاري في الإمارة، وقد أشارت البيانات المنشورة عن بعض المؤسسات العقارية العاملة في إمارة أبوظبي إلى أن هذا العائد الاستثماري يقدّر حالياً بنحو 10 في المئة سنوياً، وهو المعدّل الأعلى مقارنة بباقي المعدلات على مستوى العالم وفقاً لـ "مجموعة لاري المالية"، وإلى جانب أن هذا الهامش الربحي الكبير يعدّ مؤشراً قوياً إلى سلامة القطاع العقاري ومتانته في أبوظبي، فهو من ناحية أخرى يعدّ دليلاً على القدرات التنافسية المرتفعة لهذا القطاع بين منافسيه على مستوى العالم. ولعل الحالة الصحية التي يبدو عليها القطاع العقاري في إمارة أبوظبي ليست سوى انعكاساً لحالة الاستقرار التي يعيشها اقتصاد الإمارة، التي استطاع اقتصادها كما سبق القول التغلّب على التحديات والتداعيات السلبية التي أفرزتها "الأزمة المالية العالمية"، على عكس ما حدث في العديد من دول العالم، بل إن اقتصاد الإمارة أصبح أكثر متانة واستقراراً مقارنة بما كان سائداً قبل الأزمة، كونه اكتسب العديد من الدروس المستفادة من الأزمة، واستطاع تحصين نفسه بشكل أفضل في مواجهة أي أزمات في المستقبل، بما سيعود بالإيجاب قطعاً على جميع القطاعات بما فيها القطاع العقاري. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.