لقد خطت دولتنا الحبيبة خطوات واثقة نحو الهدف الذي اختطه لها حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وهو يؤسس مع إخوانه اتحاداً ووحدة عجزت عنهما دول سبقتنا بسنين، فظل اتحاد الإمارات شامخاً كأروع الأمثلة، فتقاطرت أجيال في كنفه لا تعرف غير الاتحاد، ولا ترتضي بغيره كخيار أوحد. وتأسيساً على ذلك، يجب على كافة أبناء الإمارات أن يعوا هذه النعمة التي لم تأت إلا بجهد كبير. ومناسبة هذا الحديث هو ما يجري على الساحة العربية من خطوب تناثرت شذراتها على أغلب الدول العربية. وباعتبار أننا جزء من العالم العربي الذي يموج بالتغيرات المتسارعة، كان لابد أن يكون لدول الخليج منها نصيب بشكل متفاوت، كما جرى في البحرين وعُمان، ويجب علينا أن نقر بادئ ذي بدء أن جزءاً من أسباب ثورة إخواننا العرب المشروعة، هو تردي الحال التي وصلت إلى وضع كارثي من حيث الخدمات والوضع الاقتصادي وتزايد معدلات الفقر والأمية، ناهيكم عن المشاكل الاجتماعية المتفاقمة وتراجع الطبقة الوسطى إلى الفقر المدقع. لقد تباينت ردود فعل الشعوب الخليجية حيال بلدانها وكيفية التعاطي مع المستجدات والولوج للإصلاح، خاصة أن هناك بعض دول الخليج يعتبر الوضع الاقتصادي بها متواضعاً مما ساهم بتأجج دعوات الشباب للإصلاح، كما حصل في البحرين وعمان، وكاد يحصل في المملكة العربية السعودية لولا تدخل المؤسسة الدينية والحكمة في التعاطي مع الأحداث والاستفادة مما جرى في بعض الدول العربية من أخطاء، فكان هناك تفهم شديد لدى القيادة متمثلة في خادم الحرمين الشريفين بأهمية البدء فوراً بإجراء تقييم سريع للوضع، والتحرك لتحسين الخدمات ودعم المواطنين وزيادة الرواتب وبناء المساكن وغيرها من المطالب الرئيسية التي يجب أن تكون مهيأة مسبقاً للشعب. وما يهمني هنا هو التركيز على أن هناك قرارات حاسمة مصيرية يجب اتخاذها من قبل الحكومات في الوقت المناسب، فتأخيرها ولو ليوم واحد قد يفاقم الأوضاع ويخرج الأمور عن السيطرة، ويزيد من تورط الأنظمة، مما يُعَجّــل بتدخل منظمات حقوق الإنسان ومجلس الأمن كما يحصل في سوريا الآن. وهذا ما لا تفهمه بعض الدول إلا بعد فوات الأوان. دولة الإمارات من الدول القلائل التي ظلت بمنأى عما يحدث، فهناك مثل يقول "ليس الشجاع من يكسب الحرب دائماً بل القوي من يكسب السلم دائماً". فسياسة وحكمة الشيخ زايد رحمه الله أكسبتنا السلم والأمان، وتركت رصيداً كبيراً من الحب والتقدير لأبنائه وبخاصة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله وولي عهده الأمين الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وحكام الإمارات، فهذا الإرث يعتبر السياج الذي حمى الإمارات من هذه التيارات المتسارعة بالإضافة إلى الجولات المباركة التي ابتدرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، والفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، والتي حملت في طياتها الخير العميم لأبناء الدولة، بالإضافة لما تعودناه من زيارات متكررة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة للقرى والمناطق البعيدة في دولتنا، والتي تدخل في إطار البحث في شؤون الرعيّة والاطمئنان عليهم. لقد كنت من المتحمسين جداً لأن يكتمل العقد الفريد لدولتنا الفتية بالانتخابات المباشرة، الأمر الذي يجعل من الإمارات أنموذجاً راقياً وفريداً، فالخدمات المقدمة والأنظمة والقوانين المرعية بالدولة والسلطة القضائية الأكثر من راقية ومنصفة، بالإضافة إلى سلم الرواتب الأفضل خليجياً، وبرامج الإسكان والزواج التي تعد الأفضل خليجياً كذلك، لذا كانت النوايا طيبة عندما تداعى مجموعة من المخلصين لكتابة رسالة إلى مقام رئيس الدولة يطلبون فيها النظر بإمكانية إجراء الانتخابات المعلن عنها بشكل مباشر، فخدمة الوطن، سواء من خلال البرلمان أو المجتمع المدني أوالعمل الحكومي، غايتها وصول صوت المواطن إلى الحكومة، كما أن وصول الأكفاء للمجلس من شأنه أن يفعل دوره. والحمد لله أن الوثيقة التي شملت 133اسماً ضمت نخباً متنوعة وأطيافاً متعددة ومختلفة من دكاترة ومثقفين وكتاب وبرلمانيين، ولم تحسب على تيّار بعينه، وهذا طبيعي جداً، لكن هناك للأسف بعض الأصوات النشاز هداهم الله ممن وُجدت أسماؤهم في القائمة استغلوا الوضع وبدؤوا كمن يبشر بعهد جديد، متناسين أن الحكومة هي بالأساس صاحبة المبادرة في تفعيل دور المجلس الوطني، وكانت الطامة الكبرى بإجراء بعض من هذه الفئة لقاءات تلفزيونية تطاولوا فيها على رموز الدولة في قنوات فضائية غير محلية، كما أشعلوا حرب داحس والغبراء في المواقع الإلكترونية، مما شوه صورة المطالب وأهدافها السامية ومقاصدها الشريفة التي تريد تعزيز دور المشاركة، وتعزيز دور الحكومة، فأصبح المشهد سيئاً جداً، وخرج النقد عن إطاره الطبيعي والأخلاقي. فالحكمة تقتضي المطالبة باحترام وأدب وبالتي هي أحسن، وليس بالخروج عن النص. يا أخوة ياكرام، لقد شاركت سابقاً في لقاءات إذاعية ناقدة عديدة كان أشهرها برنامج البث المباشر بإذاعة الشارقة عام 2008 حول الهوية الوطنية، وآخرها لقاء صباحي مع تلفزيون أبوظبي وإذاعة دبي والشارقة بعد الأحداث الأخيرة، وتناولت فيها أصعب المواضيع ووجهنا نقداً قوياً وبناءً حول أوجه القصور والخلل. فلم يسألنا أي مسؤول لأنها كلماتٌ خرجت من القلب تريد الخير للوطن والمواطن، ولا أزعم هنا أن من أساؤوا كانوا يضمرون السوء (فالعلم عند الله)، لكن أقول لهم لم تصيبوا في أسلوب النقد، فالتطاول على شيوخنا لم نعهده أبداً، وليس له مكان من الإعراب، ولا نوافق عليه أبداً، ولا نرتضيه أسلوباً بيننا للحوار البناء. وبالنظر إلى الأسماء التي تناولت رموز الدولة وموازينهم في العمل الوطني، لم أجد لهم رصيداً كبيراً، فأصحاب الرأي والفكر معروفون بآرائهم البناءة وكتاباتهم التي أرجوا أن تعود لصحفنا المحلية، فهؤلاء بصنيعهم هذا حرمونا من هدف كان قاب قوسين أو أدنى، وبصنيعهم هذا اكتسبوا شهرة كبيرة فأصبحوا على كل لسان وفي أغلب المواقع الإلكترونية. وليس غريباً أن تبرز قوافل من المحتجين، من المواطنين ورجال القبائل ممن هالهم هذا الأسلوب، فبدؤوا كرد فعل يحتجون ويتجمعون ويسجلون أسماءهم بالآلاف لمقاضات هذه الزمرة الخارجة عن النص، وهذا أيضاً يُعطي الأمر أهمية أكثر مما ينبغي. أيها الأخوة والأخوات، عندما نظرت إلى المشهد علمت ما وقعنا فيه نحن أصحاب الوثيقة من سوء تقدير للأمور، وما جرى من بلبلة بسبب ذلك، وأن هناك منظمات استغلت الوثيقة، وادعت أن سجن المجموعة الصغيرة التي أساءت إنما جاء بسب قائمة الـ 133 ومطالبتهم بالانتخابات المباشرة، وهذا غير صحيح إطلاقاً، فأصحاب القائمة وأنا أحدهم لم ينلهم سوء لأن أغلبهم ينشدون مصلحة الوطن في وقت بالغ الصعوبة على كافة الدول العربية والإمارات بشكل خاص لأنها تمر بحالة سكانية فريدة، مما يؤزم أي موقف ولا يصلحه أبداً، وأود هنا أن أطرح ملاحظات فنية وموضوعية على أسلوب إرسال الوثيقة والظروف المحيطة بها: 1 - الوثيقة معنونة إلى مقام رئيس الدولة، فكان الأدعى أن تصل باليد عن طريق المقابلة لمقام سموه أو لمن ينوب عنه، أما أن تبعث بالبريد (الأرامكس) فهذا خطأٌ كبير يتحمله من أرسل الوثيقة وحَرمَنا من نقل وجهة نظرنا بالشكل الصحيح إلى مقام رئيس الدولة. 2 - كان المفروض بعد إرسال الوثيقة أن ننتظر فترة من أسبوع إلى عشرة أيام بانتظار رد الحكومة، لكن المفاجأة أنه بعد يومين على إرسالها ظهرت على المواقع الإلكترونية كنوع من الضغط الرخيص، وكأننا سلمنا بأن الرد سيكون سلبياً من الحكومة. 3 - إقحام المنظمات الدولية، والتي أعرف جيداً أجندتها تجاه دولتنا، أضرّ بمطالبنا المشروعة، وسبّبَ بلبلة غير مبررة وضجة على المواقع الإلكترونية التي صَوّرتـنا كمعارضين للحكومة أومناوئين، فنالت كثيراً من سمعة الدولة. 4 - ظهور فئة قليلة من موقِّعي القائمة على القنوات الفضائية غير المحلية، حيث تطاولوا على قياداتنا ورموزنا، بزعم أنهم ناشطون حقوقيون، وهو تصرف أساء لنا كثيراً نحن أصحاب القائمة. لذا، وأمام هذه الحالة وهذا اللغط الذي حصل، أعلنت انسحابي من القائمة غير أسف عليها، رغم إيماني بأهمية المشاركة الشعبية البرلمانية المباشرة في هذه المرحلة، وجاء هذا القرار إيماناً مني بالحفاظ على النهج الذي اتبعته في النقد طيلة حياتي العملية، النقد البنّاء وصولاً للأهداف السامية، وبأسلوب رفيع يؤتي أكله وليس بأسلوب رخيص لا يوصلنا إلى أهدافنا. لذلك أرفض أي استغلال لمواقفنا الوطنية التي عكسناها في القائمة، ولذلك فقد انسحبت منها متمثلاً قول الشاعر: سأترك ماءكم من غير ورد وذاك لكثرة الوراد فيــــــــه إذا سقط الذباب على طعــام رفعت يدي ونفسي تشتهيـــه وهنا أترك التقدير لحكومتنا الرشيدة للنظر في الوقت المناسب للانتخابات المباشرة لأنها باعتقادي قادمة. وختاماً أسأل الله السداد لرئيسنا ونائبه وولي عهده وكافة شيوخ الإمارات وأولياء عهودهم، وأن تمر هذه المحن ونحن بمنأى عنها، متسلحين باتحادنا وبحبنا لوطننا والولاء لحكامنا حفظهم الله، والله من وراء القصد.