ظل المثقفون العرب وبعض الأنظمة الاستبدادية العربية يشككون في نيات الدول الغربية ومطالبتها بالإصلاح والتغيير التدريجي نحو الحرية والديمقراطية... لكن هذه الأنظمة ومثقفيها كانوا يرددون دائماً بأن التغيير يجب أن يأتي من الداخل (ذاتياً)، وأنه لا شأن للغرب في عملية الإصلاح والتغيير. والآن بعد أن هب الشباب في أكثر من بلد عربي مطالباً بالحرية والديمقراطية، رفضت الأنظمة هذه التغييرات وتصورت بأن هناك مؤامرة غربية ضدها. لكن واقع الحال غير ذلك، فالرئيس الأميركي أوباما استقبل في البيت الأبيض شابة مصرية وشاباً تونسياً للتعبير عن دعمه لطموحات الشباب العربي، حيث سلم "زهراء سعيد"، شقيقة الشاب المصري خالد سعيد، والناشط التونسي جمال بطيب، جائزة الديمقراطية التي يمنحها المركز الوطني للديمقراطية لعام 2011. وأعلن الرئيس الأميركي بأن بلاده ستدعم الثورات العربية وأن الطموحات الديمقراطية تكتسح العالم العربي، قائلاً إن دعمنا يأتي من مبدأ الولايات المتحدة الداعم لحق تقرير المصير. والسؤال: لماذا أصبحت المطالبة بالحرية في الوطن العربي هي القضية الأساسية اليوم؟ تقرير الأمم المتحدة الإنمائي، "التنمية الإنسانية العربية" لعام 2004 والخاص بالحريات، يطرح تساؤلات بديهية منها: لماذا بقي العرب الأقل تمتعاً بالحرية بين مختلف مناطق العالم؟ وما الذي يفرغ "المؤسسات الديمقراطية" في العالم العربي من مضمونها الإصلاحي؟! واليوم تمر بعض الأقطار العربية بمرحلة انتقالية بعد نجاح الثورة فيها (مصر وتونس)، ولا أحد يعرف حتى الآن طبيعة التغييرات القادمة، وهل ستكون جذرية أم إصلاحية في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ وماذا عن الأنظمة العربية التي تشهد بلدانها حركات احتجاجية شعبية عارمة ضد الاستبداد ونقص الحرية والديمقراطية، كما في اليمن وليبيا وسوريا؟ لقد حاولت هذه الأنظمة تأخير التحركات الشبابية باستبدالها القوانين والدساتير بهدف قمع الاحتجاجات، في حين لا تتوانى هي نفسها عن اختراقها من دون الرجوع إلى الشعب. الرئيس السوري بشار الأسد صرح في يناير الماضي لصحيفة "وول ستريت جورنال" بأن بلاده بمنأى عن الموجة التي تجتاح الدول العربية وقال: "عليكم رؤية الأمور من منظور مختلف، وأن تسألوا أنفسكم لماذا الوضع في سوريا مستقر في حين أننا نعاني من ظروف أصعب؟ كانت مصر مدعومة مالياً من قبل الولايات المتحدة، بينما نحن خاضعين لحصار من قبل غالبية دول العالم، ورغم كل ذلك فشعبنا لا ينتفض". القيادة السورية إذن كانت مخطئة، وغير واعية بأهمية الحريات الديمقراطية للشعوب، فبعد تصريح الأسد بشهر هبّت الاحتجاجات الشعبية بدرعا، في مارس 2011 عقب اعتقال وتعذيب عشرة من الأطفال، ولا تزال الاحتجاجات مستمرة، وقد قتل فيها إلى الآن أكثر من 1200 شخص واعتُقل الآلاف وشُرِّد أكثر من 15000 عائلة إلى تركيا. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي شددا حصارهما ضد سوريا لمنع استمرار سياسة التعسف والقتل ضد الشعب العربي الأعزل. واتخذ الاتحاد الأوروبي بشكل خاص سلسلة من العقوبات ضد النظام السوري، ونشر قائمة ضمت أسماء ثلاثة من قادة الحرس الثوري الإيراني واثنين من أقارب الأسد ومؤسسة الإسكان العسكري وشركتين لمخلوف، إلى لائحة العقوبات. وسوف يتخذ مجلس الأمن الدولي خطوات ضد النظام إذا استمر في سياسة استعمال القوة ضد المحتجين سلمياً. بل قد يتخذ المجلس قراراً بحظر بعض المناطق المجاورة لتركيا من الطيران أو تدخل الجيش السوري فيها.