يعاني الاقتصاد الأميركي مشاكل جمة منذ مايربو على عقد من الزمن، غير أن لاتخفيضات ضريبية "يمينية" ولا مخططات تحفيزية "يسارية" ستحل المشكلة البنيوية الرئيسية التي تقف وراء تباطؤ نمونا الاقتصادي، وارتفاع معدل بطالتنا، ونقصد بذلك العجز التجاري الضخم والمستمر - ومعظمه مع الصين. ومن أجل فهم لماذا يمثل العجز التجاري الأميركي الضخم سبب متاعب البلاد الاقتصادية، من المهم إدراك أن ثمة أربعة عوامل تحرك ناتجنا المحلي وهي: الاستهلاك، واستثمارات الشركات، والإنفاق الحكومي، وصافي الصادرات. ويمثل صافي الصادرات الفرق بين كمية الصادرات وكمية الواردات، أما العجز التجاري، فيعني أن صافي الصادرات سلبي، وهو ما يخفّض بشكل مباشر كلًا من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، ومعدل خلق الوظائف، حيث يكلفنا عجز الولايات المتحدة التجاري مايناهز 1 في المئة من نمو الناتج المحلي سنويًا، وخسارة قرابة مليون وظيفة سنوياً. وذلك يعني ملايين الوظائف التي فشلنا في خلقها خلال العقد الماضي، والحال أنه لو كانت لدينا تلك الوظائف اليوم، لما شهدنا استمرار ارتفاع أرقام البطالة، وإغلاق المنازل بعد العجز عن تسديد القرض العقاري، والمصانع الخالية والمهجورة. وإذا كنا نرغب في أن نعيد أميركا إلى الاشتغال، فعلينا أن نعمل على خفض عجزنا التجاري بشكل كبير، وذلك يمر عبر خفض عجزنا التجاري مع الصين بشكل أساسي. ففي كل يوم عمل، يقوم المستهلكون الأميركيون بشراء مليار دولار من الصادرات الصينية أكثر مقارنة مع ما يبيعه المصنعون الأميركيون للصين، كما أن الصين لوحدها تمثل نحو 70 في المئة من عجز أميركا التجاري من حيث السلع إذا ما استثنينا الواردات النفطية. وقد دفع هذا "الاعتماد على الواردات الصينية" أميركا الديمقراطية إلى أن تصبح مدينة لأكبر دولة شيوعية في العالم بأكثر من تريليون دولار، في وقت تمتلك الصين أكثر من 3 تريليونات دولار من احتياطيات العملة الأجنبية، ومعظمها بالدولارات الأميركية. وبأخذ هذه الاحتياطيات من الدولار في عين الاعتبار، فإن ذلك يعني مالاً أكثر من كاف لقيام الصين بشراء حصص الأغلبية في كل واحدة من الشركات الأميركية الكبرى لمؤشر داو جونز، مثل "ألكوا"، و"كاتربيلر"، و"إيكسون موبل"، و"ول مارت"، والقدرة مع ذلك على الاحتفاظ بمليارات أخرى جانباً. وعليه، فكيف يمكننا أن نقضي على عجزنا التجاري مع الصين أو على الأقل خفضه بشكل جذري؟ أولاً، علينا التخلص من الفكرة غير الصحيحة التي تقول إن الامتياز الصناعي الرئيسي للصين يعود إلى عمالتها الرخيصة فقط، ذلك أنه إذا كانت التكلفة المنخفضة للعمالة أحد العوامل بلا شك، فإن المرء حين يبحث عن أكبر مصدر للامتياز الصناعي الصيني يجد أنه في الواقع عبارة عن مجموعة معقدة من الممارسات التجارية التي لا تنسجم مع قواعد التجارة الحرة. ذلك أن أقوى "أسلحة الوظائف الشاملة" الصينية هي شبكة معقدة من المعونات المخصصة لدعم الصادرات، إضافة إلى تخفيض قيمة العملة بشكل متعمد، والنقل الإجباري لتكنولوجيا أي شركة أميركية ترغب في العمل على التراب الصيني أو البيع في السوق الصينية. هذا علماً بأن كل واحدة من هذه الممارسات التجارية ممنوعة من قبل قوانين منظمة التجارة العالمية، وكذا قوانين الحكومة الأميركية، فعلى سبيل المثال، تفرض قوانين وزارة الخزينة عقوبات على كل من يقوم بالتلاعب بقيمة العملة - لكن إدارة أوباما للأسف ترفض استعمالها ضد الصين رغم وعود أثناء الحملة الانتخابية بالقيام بذلك. وإضافة إلى ذلك، فهناك رغبة صينية في تبادل أضرار بيئية، وعدد هائل من حالات الموت والإصابة في أماكن العمل بمكاسب إضافية من امتياز تكلفة الإنتاج، وكل ذلك بسبب معايير تنظيمية متراخية. وعلى سبيل المثال، تشير أرقام منظمة الصحة العالمية إلى أن قرابة 700 ألف مواطن صيني يموتون سنوياً جراء تأثيرات تلوث الهواء، وذلك يشبه خسارة كل سكان ولاية وايمنج كل عام في وقت يعترف فيه المسؤولون الصينيون بأكثر من ألفي حالة وفاة سنوياً في مناجم الفحم، مقارنة مع أقل من 50 في الولايات المتحدة. وهذه الأسلحة الاقتصادية الحقيقية تؤدي إلى إغلاق آلاف المصانع الأميركية وتحويل ملايين العمال الأميركيين إلى خسائر جانبية، وكل ذلك في إطار ما يطلق عليه خطأ التجارة الحرة. أما الفكرة غير الصحيحة الثانية التي ينبغي تعريتها، إذا نحن كنا نرغب في وقف العجز التجاري الذي نسجله أمام الصين، والذي يتسبب في قتل وظائفنا، فهي تلك القائلة إن التجارة الحرة تفيد كلا البلدين دائماً. فذلك ليس صحيحاً إذا كان أحد البلدين يغش الآخر. والأكيد أنه عندما تستعمل الصين ممارسات تجارية لشن حرب على قاعدتنا الصناعية، فإن الاقتصاد الأميركي هو الخاسر الكبير. وبالنظر إلى مشكلة أميركا البنيوية مع الصين، وغياب إصلاح تجاري بناء، فإن آفاقنا الاقتصادية لن تزداد إلا قتامة. والواقع أن المرشح الرئاسي الذي يدرك هذه الحقيقة الجوهرية، التي بدأ يفهمها بشكل متزايد معظم الناخبين، سيكون هو الفائز في 2012. ذلك أننا في حاجة إلى شخص يستطيع قيادة هذا البلد نحو علاقة تجارية مع الصين قائمة على مُثل التجارة الحرة، وليس مجموعة من السياسات التجارية التي تشغّل الصينيين على حساب العمال الأميركيين. بيتر نافارو أستاذ بجامعة كاليفورنيا - أرفاين ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"