أعلن أوباما يوم الأربعاء الماضي، عن حجم الانسحاب من أفغانستان عقب نقاش داخلي محتدم داخل الإدارة، دفع خلاله مؤيدوه انسحاب سريع وفوري بحجتين رئيسيتين، كلتيهما غير مقنعتين. فهناك الحجة المالية، ومفادها أننا لا نملك من الإمكانات المادية مايسمح لنا بتحمل تكلفة المجهود الحربي. والواقع أنه مما لا شك فيه أننا نواجه أوقاتاً مالية عصيبة، إلا أن ما سنوفره اليوم من عملية انسحاب كبيرة سيكون متواضعاً. وقد تمحور النقاش داخل الإدارة حول الوتيرة الأمثل لسحب جنود "الزيادة" البالغ عددهم 30 ألف جندي من مجموع 100 ألف جندي. والواقع أنه حتى لو تم سحب كل الجنود الـ30 ألفاً غداً (وهو أمر لم يطرح على الطاولة)، فإننا لن نوفر سوى جزء صغير من الـ107 مليارات دولار التي من المنتظر أن تكلّفنا الحرب العام المقبل، وذلك لن يكون له أي تأثير ملموس على الميزانية الفيدرالية البالغة 3.7 تريليون دولار أو الدين البالغ14.3 تريليون دولار. أما الحجة الاستراتيجية المؤيدة لانسحاب سريع، فتقوم على الزعم بأن "القاعدة" باتت مشلولة منذ مدة، وبالتالي فليس ثمة ما يمكن أن نخشاه من سحب 10 آلاف، أو أكثر من الجنود من أفغانستان هذا الصيف، و10 آلاف آخرين مطلع العام القادم، و10 آلاف آخرين بنهاية 2012. وإذا ما صدقنا تسريبات البيت الأبيض، فإن بعض المسؤولين الرفيعين في الإدارة خلصوا إلى أن حملة محاربة التمرد التي أطلقت العام الماضي فقط هي مضيعة للوقت، وكل ما علينا أن نقوم به هو الاعتماد على ضربات جوية استهدافية وعمليات القوات الخاصة على شاكلة تلك التي دمرت قيادة "القاعدة" في باكستان. غير أن ما تنساه هذه الحجة هو إلى أي مدى يمكّننا وجودنا في أفغانستان من إظهار القوة في باكستان. ففي نهاية المطاف، فإن أفغانستان هي البلد الذي انطلق منه فريق العمليات الخاصة الذي قتل ابن لادن. وإذا انسحبنا من أفغانستان، فإن "طالبان" ستتقدم وتكتسح مناطق جديدة، كما أن رغبة الحكومة الأفغانية في مدنا بالقواعد التي نحتاجها سيتراجع، وهذا بدوره سيجعل من الصعب الحفاظ على الضغط على "القاعدة" ومنعها من إعادة خلق نفسها، مثلما سبق أن فعلت في الماضي. وعلاوة على ذلك، علينا ألا نبالغ في التركيز على "القاعدة". فصحيح أنها المنظمة الإرهابية التي سجلت أكبر عدد من النجاحات في استهداف التراب الأميركي، لكنها ليست التهديد الوحيد الذي يواجه الولايات المتحدة ومصالحها. لذلك، فإنها ستكون كارثة في حال انسحبنا بشكل مبكر من أفغانستان وسمحنا لمجموعات، مثل شبكة حقاني و"طالبان" بالوصول إلى السلطة. فذلك ليس من شأنه السماح لأفغانستان بأن تصبح مرة أخرى قاعدة للإرهابيين فحسب، وإنما سيعرِّض أيضاً الوضع الهش أصلاً في باكستان للخطر. وتستطيع الإدارة أن تجادل بأننا حتى بعد أن نقوم بسحب كل قوات "الزيادة"، فإنه سيكون لدينا 70 ألف جندي في أفغانستان، وهو عدد أكبر مما كان متوافراً، عندما غادر بوش السلطة، غير أن ذلك بالكاد يمثل مصدراً للارتياح لأنه في 2009، كانت "طالبان" قاب قوسين أو أدنى من بسط سيطرتها على جنوب أفغانستان، لكن "الزيادة" سمحت لقادة التحالف بتقليص المكاسب التي حققتها "طالبان" في إقليمي قندهار وهلمند. والحال أن التقدم الحالي مؤقت وغير أكيد، وإذا ما تم سحب عدد مهم من قواتنا، فإن نجاح المجهود الحربي برمته سيعرَّض للخطر. إن محاربة التمرد هي جهد يتطلب قوة بشرية، ونحن بالكاد نتوفر على ما يكفي من الجنود في أفغانستان لتنفيذ المخطط الذي وضعه الجنرال ماكريستال وراجعه الجنرال بترايوس. ثم إنه إذا قمنا بسحب عدد مهم من الجنود، فسيصبح من المستحيل تأمين السكان المدنيين في الجنوب، ناهيك عن الشرق وهو المنطقة الحاسمة التالية للعمليات. وحينها ستستطيع طالبان العودة إلى معاقل سابقة طُردت منها. ثم إن العامل النفسي مهم أيضاً، ذلك أن معظم الأفغان يقفون في الوسط ويلتزمون الحياد، حيث يحاولون التنبؤ بمن سيفوز قبل أن يقرروا أي جانب من الأمان دعمه. والأكيد أنه بفضل "الزيادة" وحملة محاربة التمرد، حصل التحالف على زخم أساسي. وإذا أمر أوباما بعملية سحب عميقة للجنود، فإن ذلك سينظر إليه من قبل الأفغان على أنه مؤشر على أننا لسنا جادين بشأن الفوز في هذه الحرب. من الصعب فهم لماذا قد يرغب الرئيس في اتخاذ قرارات تعرّض نجاح إحدى سياساته للخطر: المجهود الحربي في أفغانستان. فإذا حافظ على عديد جنود "الزيادة" على حاله، وإذا ساءت الأمور في جميع الأحوال، فسيكون معفياً من اللوم لأنه يستطيع القول إنه اتبع أفصل النصائح العسكرية المتوافرة. أما إذا لم يعمل بالنصيحة القائلة بضرورة سحب محدود للجنود هذا العام والعام المقبل، وإذا ساءت الأمور حينها، فإن الإخفاق الذي سينتج عن ذلك سيتحمله هو وحده. وسواء من منظور سياسي أو استراتيجي، فإن المسار الذكي الآن هو الاستمرار في منح "الزيادة" وقتاً حتى تكون فعالة وناجحة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ زميل رئيس بمجلس العاقات الخارجية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"