رغم أن جاري كاسباروف أعظم لاعب شطرنج في جيله، فإنه عندما يسُأل عن الخطوة التالية لبوتين يمتنع عن الإجابة. وقد فسر كاسباروف الأمر عندما قام بزيارة لمقر صحيفتنا قائلاً: "عندما تلعب الشطرنج، فأنت تلعبه وفقا لقواعد أما، بوتين فيغير قواعد اللعب مثلما يريد". على أن هذا الرأي لا يحول بين كاسباروف وبين الإدلاء بآراء محددة وقاطعة بشأن مستقبل روسيا، وهي آراء تستحق الاهتمام لسببين: الأول أن كاسباروف شخص خارق الذكاء بالفعل وهو مشهور في وطنه بأنه الرجل الذي تفوق على كمبيوتر "إي. بي. إم" في لعبة الشطرنج قبل عقد من الزمن تقريباً. الثاني أنه رغم كونه شخصية كاريزمية ومتزنة ومرحة، وكان بإمكانه في بلد مثل روسيا ينظر إلى أبطال الشطرنج مثلما ينظر الأميركيون إلى نجوم الروك، أن يعيش حياة الراحة والدعة التي يعيشها المشاهير هناك، وكان بإمكانه أن ينضم إلى معارضة نظام بوتين من شقة فاخرة وآمنة في لندن أو مانهاتن. لكن كاسباروف لم يفعل ذلك بل اختار الانضمام لمعارضي بوتين وأن يظل في روسيا محاطا بالحرس الشخصيين وبالقلق رغم علمه بالمصير الذي تعرض له العديد من الصحفيين وناشطي حقوق الإنسان الروس الذين تجرأوا على انتقاد بوتين. على أن ذلك لم يحل بينه وبين أن يحمل في جوانبه قدراً كبيراً من الأمل في مستقبل روسيا، وهو ما دفعه للقدوم لواشنطن للاجتماع مع مسؤولين تنفيذيين وأعضاء كونجرس، حاملا معه ثلاث رسائل واضحة: الأولى أن صراع القوى الظاهري بين بوتين وميدفيديف ليس سوى تمثيلية انخدع بها الأميركيون وإدارة أوباما، وأن ميدفيديف وإن كان يمنح وجهاً أكثر وداً للنظام في نظر الغرب، إلا أنه غير ذي صلة من حيث الجوهر. الثانية أن "البوتينية" لا تحقق نجاحاً وبالتالي فإن استمرارها ليس حتمياً. فروسيا رغم أنها بلد مصدر للنفط إلا أن اقتصادها يعاني من العلل، والاستثمارات تهرب منها، وبنيتها الأساسية تتداعى، والناس يرون كل ذلك ولا يكفون عن الشكوى. الرسالة الثالثة أن الولايات المتحدة تمتلك تحت تصرفها أداة عملية يمكنها تقويض قبضة بوتين على السلطة، وهي مشروع القانون الذي قدمه السيناتور الديمقراطي "بن كاردان" بمنع منح تأشيرات للمسؤولين الروس المتورطين في انتهاكات فاحشة للعدالة والحريات، والحجز على أصولهم خارج روسيا. وأضاف كاسباروف أن ذلك ربما لا يبدو بالشيء الكثير في نظر الدول الأجنبية، لكنه سوف يؤدي في حقيقة الأمر لتقويض الأسس التي ينهض عليها نظام بوتين. والمشكلة في رأي كاسباروف هي أن بوتين ساهم في إفساد العديد من المسؤولين الأوروبيين للدرجة التي لن تجعلهم يتصرفون من تلقاء أنفسهم، لكن الولايات المتحدة تقدر على ذلك، لاسيما أن العديد من كبار المسؤولين في حكومة بوتين باتوا يميلون على نحو متزايد للاستثمار في الولايات المتحدة، لذلك فالإجراءات التي تتخذها واشنطن حيالهم سوف تحدث فارقاً كبيراً. وفي ختام الزيارة وجه كاسباروف كلامه لنا قائلاً: "لا تقولوا لي إنكم لا تمتلكون تأثيراً". فريد حياة كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"