يضم الصومال شعباً تم تقسيمه من قبل القوى الاستعمارية السابقة، وشهد ميلاد الدولة الوطنية عام 1960 في محيط عدائي، إلى جانب القبلية المتأصلة، فضلاً عن التدخلات الخارجية الواسعة، مصحوبة بدور أمراء الحرب وزعماء العشائر... إنها خلاصة المأساة الصومالية كما يقدمها الباحث والدبلوماسي الصومالي المخضرم الدكتور عبدي عواله جامع في كتابه "المستقبل السياسي للصومال". وقد تناول الكتاب أربع قضايا رئيسية تتعلق بإعادة بناء الصومال؛ وهي: دور العشائر في مستقبل الصومال السياسي، والتفسيرات المتنافسة للمدارس الإسلامية المختلفة، ودور الحكومة الاتحادية الانتقالية، والتحديات الماثلة أمام كل من الحكومة الانتقالية والاتحاد الإفريقي والمجتمع الدولي للنهوض بأمن الصومال واقتصاده الوطني. وفي نظره أن أسباب المأزق الحالي للصومال تعود إلى ما خلفه الإرث الاستعماري من تقسيم مصطنع للبلاد إلى أقاليم خمسة في نهاية القرن التاسع عشر، وإن بدا أن هذا التاريخ الاستعماري الأليم قد تلاشى جزئياً عام 1960، وذلك بتوحيد شطري الصومال (البريطاني والإيطالي) وقيام جمهورية الصومال، فإن الشعب الصومالي ظل مشتتاً بين حكم ثلاث دول: الحكم الوطني للصومال، والحكم الخارجي لكل من إثيوبيا وكينيا. ثم سرعان ما انخرط الصومال في نزاعات متواصلة منذ بداية استقلاله، فخاض ثلاث حروب مع جارته إثيوبيا، مما أضعف نظام الحكم قبل أن ينهار أخيراً عام 1990، ومعه الدولة الصومالية ذاتها. إن مستقبل الصومال اليوم، كما يقول المؤلف، محفوف بالمخاطر، أما العوامل الرئيسية فهي: قدرة القائد على توحيد العشائر المختلفة، تطوير الوحدة الاجتماعية والوطنية، ووضع خطط وطنية لدعم القطاعات الاقتصادية المختلفة. قد تكون سياسة الانقسام والاستقطاب أفضل وصف لحالة الاضطراب القائمة في الصومال مند عام 1991، حيث فَقَدَ المجتمع الصومالي تماسكه الاجتماعي، وأصبح فريسة سهلة لمليشيات أمراء الحرب، كما أصبحت البلاد مقسمة إلى إقطاعيات تخضع لسيطرة ميليشيات عشائرية، وباتت القبيلة الصيغة المهيمنة على أي معنى للهوية الوطنية. وتمر العملية السياسية في الصومال بمرحلة مبكرة من حيث التطوير، فقد أضفى انتخاب شيخ شريف شيخ أحمد في يناير 2009، كما يقول المؤلف، بعداً جديداً على العملية السياسية الصومالية، لكن حلفاء البارحة أصبحوا أعداء اليوم، فانقسم "اتحاد المحاكم الإسلامية" إلى جماعتين متعارضتين بقيادة شريف أحمد وحسن عويس، فضلاً عن حركة "الشباب" المتطرفة، إلى جانب "الحزب الإسلامي" الذي عانى في الآونة الأخيرة من خلافات عشائرية داخلية. وهنا يوضح المؤلف أن الصومال يعاني خللاً مركباً في الأنظمة السياسية التي تتغلغل داخلها الولاءات العشائرية غير المستقرة. ومن ذلك مثلا أن جوهر النزاع الحالي يدور حول المناطق الوسطى والجنوبية على وجه التحديد، وهي مناطق تضم أخصب الأراضي الزراعية، وقد تشكل الخطر الأكبر على عملية حفظ الأمن والسلام في البلاد. لذلك من الحكمة بالنسبة لدول جوار الصومال أن تختار مسار التعايش السلمي والتسوية التفاوضية حول المصالح المتداخلة. وعن القوى الداخلية الصومالية مرة أخرى، يقول المؤلف إن أهمها حالياً: شريف أحمد، وطاهر عويس، وحركة "الشباب". وإذا كان هذان الأخيران يتصفان بالتطرف ويتهمان بالارتباط مع "القاعدة"، فإن شريف أحمد انتهج أسلوباً حوارياً في سعيه لإجراء المفاوضات داخل مجتمع يتصف بالتفتت والقبلية، لكن أحمد ذاته يفتقر للخبرة السياسية والإدارية والنفوذ الاقتصادي اللازم لتنفيذ برنامج حكومته، وفي المقدمة منه تطوير القوى الأمنية والموارد التمويلية. فالحكومة الانتقالية الحالية تعاني نقصاً في قوات الأمن المؤهلة لحماية البلاد، وفي تنمية الاقتصاد الوطني، وستتضاءل كل الآمال المعقودة على إعادة بناء الصومال ما لم يتم الوفاء بهذين الهدفين المهمين. ورغم ازدياد اهتمام المجتمع الدولي بالوضع المزري للصومال، بسبب تصاعد عمليات القرصنة مؤخراً قبالة السواحل الصومالية؛ فإن الأمم المتحدة والدول الكبرى -يقول المؤلف- ما فتئت تنظر إلى الصومال من منظور أمني ضيق، وترى فيه مجرد قاعدة للإرهاب. لذلك فهو لا يذهب بتوقعات في هذا الخصوص إلى ما هو أكثر من أن تعمل الأمم المتحدة على تعزيز مهمة الاتحاد الإفريقي في الصومال وتدريب قوات الأمن التابعة للحكومة الانتقالية، رغم الحاجة الماسة أيضاً إلى وجود هيكل مالي يضم موظفين مدربين، يتسم بكفاءة تحصيل الإيرادات، يطبق الشفافية والمساءلة المهنية في المعاملات المالية لجميع الإدارات الحكومية. والخلاصة، كما يرى المؤلف، أن المستقبل السياسي للصومال لا يمكن أن يتحقق خارج العلاقات التفاعلية لمكونات النظام العام متمثلة في ديناميات الثقافة السياسية، والأحزاب والجماعات، والعشائر والأقاليم. كما أن المحيط الخارجي له تأثير كبير في ضمان الاستقرار الداخلي للبلاد. فمسؤولية رسم المستقبل السياسي للصومال تقع على القوى الداخلية، والدول المجاورة، و"النهج العشوائي" للمجتمع الدولي. فقد أدت هذه القوى مجتمعة إلى إطالة عملية البحث عن حل للأزمة الصومالية؛ إذ ثمة من لديهم مصالح خاصة وراء استمرار الصراع. محمد ولد المنى الكتاب: المستقبل السياسي للصومال المؤلف: د. عبدي عواله جامع الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2011