القوانين ليست منقوشة على أحجار أثرية لا تمس، ولكل بلد خصوصية، ومن خصوصيات الإمارات التركيبة السكّانية، إذ يشكّل الأجانب الغالبية فيها، ومن ثم لا يمكن أن تتشابه ظروف أي دولة مع ظروف الإمارات في هذا الجانب. وإذا كان الأجانب غالبية، فمن الطبيعي أن يكونوا غالبية مرتكبي الجرائم، وهذه الغالبية تستتبع بالضرورة غالبية في أعداد السجناء الذين تتفاوت عقوباتهم بتفاوت الجرائم التي حُوكموا بسببها، فإذا كان غالبيتهم محكوماً بعقوبات مقيّدة للحرية، فإن بعضهم محكوم بالإعدام. ويمكن للدولة أن تتحمّل تكلفة المحكوم عليه بعقوبة مقيّدة للحرية رغم ارتفاعها، إذ تؤكد بعض الجهات الأمنية أن تكلفة السجين في الإمارات في اليوم الواحد تعادل تكلفة الفرد المقيم في فندق خمس نجوم. وأشار أحد الكتّاب إلى حالات استغلال السجن في العلاج المجاني، وذلك من خلال اتفاق شخص مريض مع شخص آخر على أن يحرر له شيكاً من دون رصيد، فيدخل على إثره السجن ويتلقى العلاج، ثم بعد التحقق من شفائه يتنازل الطرف الآخر عن القضية ويُفرج عن السجين المريض. وهذا كما قلت يمكن أن تتحمّله الدولة، لكن الذي يثقل كاهل الدولة هو حالة المحكوم عليهم بالإعدام من الأجانب، ويمكن أن يتم تنفيذ هذا الحكم في محكوم واحد تورّط بمفرده في جناية، لكن محاكم الدولة تشهد هذه الأيام محاكمات لعدد كبير من الأشخاص اشتركوا في جريمة واحدة عقوبتها الإعدام. وآخر هذه القضايا محاكمة 17 شخصاً من جنسية آسيوية أدينوا جميعاً بقتل شخص آسيوي بضربه بآلات حادة، وحكم على المتهمين جميعاً بالإعدام، وهو ما أثار ردود فعل من منظمات حقوقية وانتشر الخبر في جميع أنحاء العالم، رغم أن الحكم لم ينفّذ. ولحسن الحظ أن القضية في طريقها إلى التسوية بالتفاوض حول الدية الشرعية بين أولياء الدم والمتهمين في القضية. ولنتخيّل لو رفض أولياء الدم قبول التسوية، فهل تتحمّل الدولة أن تعرّض سمعتها ومصالحها العليا للضرر، ولو بغير حق وسوء فهم، أو حتى سوء نية من قِبل تلك المنظمات، خصوصاً أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد أصدرت قراراً غير ملزم بإبطال عقوبة الإعدام، ودولاً كثيرة تتجه إلى إلغاء هذه العقوبة من تشريعاتها، وقارة بأكملها كأوروبا يحرم فيها تنفيذ هذه العقوبة، ونحو 15 ولاية أميركية، كما أن 40 بالمئة من سكّان العالم يعيشون في دول لا تطبّق عقوبة الإعدام؟ لذلك، فما الذي يمنع ترحيل كل محكوم عليه بالإعدام إلى بلاده لتنفّذ العقوبة فيه بمعرفتها؟ وإذا كانت عقوبة الإعدام وسيلة من وسائل الردع، فإن ترحيل المحكوم بالإعدام مقيداً وتسليمه إلى سلطات بلاده، يحقق عنصر الردع، وكذلك عنصر منع العود، إذ لن يتمكن من العودة إلى البلاد في ظل التقنيات الحديثة المتوفرة في المطارات، ولا يعنينا بعد ذلك أن يعود ذلك المجرم إلى الإجرام ما دام بعيداً عنا. بالطبع، لابد أن يكون الترحيل ضمن شروط، كأن يكون المجني عليه من جنسية المحكوم عليه، ليتمكن ذوو الضحية من متابعة الأمر مع سلطات بلادهم، ويُلاحظ أن الكثير من الجرائم يكون فيها الجاني والمجني عليه من الجنسية ذاتها، وأن يتم الترحيل بعد صدور حكم باتٍ وتنفيذ العقوبات الأخرى كالغرامة والمصادرة، وألا يكون للمحكوم عليه بالإعدام شركاء في الجريمة عوقبوا بعقوبات أخرى، وألا تكون الجريمة من جرائم القصاص. كما أن هناك جرائم عقوبتها الإعدام والضحية لا يكون شخصاً بعينه، كجريمة المتاجرة بالمواد المخدرة. ولا ينبغي النظر إلى هذه المسألة بأنها انتقاص من سيادة الدولة على أراضيها، إذ قرار الإبعاد يعود إليها بشكل مطلق لا ينازعها فيه أحد، ولها الكلمة العليا فيه وبإرادتها المنفردة، وكل ما في الأمر أن هناك خصوصية سكّانية أو لنقل ظرفاً استثنائياً يحتاج إلى قرار استثنائي.