"النشرة التوجيهيّة للعمل" التي أصدرتها وزارة العمل، مؤخراً، بخمس لغات (العربية والإنجليزية والأوردية والبنجالية والهندية)، وتستهدف فئة العمال، تعدّ توجّهاً مهماً نحو نشر الثقافة بقوانين العمل ولوائحه، لدى شريحة عريضة من العمالة الوافدة، ما يعكس حرص الوزارة البالغ على ضمان حقوق العمال وحمايتها في مواجهة أي تجاوزات، لأن بعض أصحاب الأعمال والمنشآت أحياناً ما يستغلّون جهل العاملين لديهم بطبيعة اللوائح والقوانين المنظّمة للعمل في عدم منحهم بعض المزايا التي يتيحها لهم قانون العمل في الدولة. وتوجّه وزارة العمل نحو نشر الثقافة العمّالية بين صفوف العمال وأصحاب الشركات والمؤسسات، خطوة إيجابية تستمدّ أهميتها من اعتبارات عدة: أولها أن كثيراً من النزاعات المعروضة أمام "المحكمة العمّالية" ترجع في الأساس إلى الجهل بقوانين العمل، والاختلاف في تفسيرها بين العمال وأصحاب الشركات، وهو الأمر الذي يعني أن مزيداً من التوعية حول هذه الأمور وتعريف الطرفين بحقوقهما وواجباتهما في هذا الشأن قد يسهمان في تراجع حدة هذه النزاعات. وهناك العديد من الأمثلة التي يمكن طرحها في هذا السياق، منها الخلاف بشأن السكن والتأمين الصحي، إذ يتهرّب بعض أصحاب الأعمال من توفير السكن المناسب للعمال واستخراج بطاقات الضمان الصحي لهم، رغم أن الوزارة تُلزمهم بذلك. وعلى الجانب الآخر فإن كثيراً من العمال يجهلون طبيعة حقوقهم، من ذلك عدم الاحتفاظ بنسخ من عقود عملهم طالما أنهم يحصلون على أجورهم في مواعيدها. الاعتبار الثاني يتعلّق بغياب الثقافة العمالية لدى العديد من المنشآت، إلى جانب عدم تطبيق أصحابها العديد من المواد المهمة الواردة في قانون العمل وبعض القرارات الوزارية النافذة، ومن أمثلة المخالفات التي ترتكبها هذه المؤسسات نتيجة غياب هذه الثقافة، عدم الاحتفاظ بسجلات الأجور والجزاءات ومعايير توقيعها على العمّال المخالفين، إضافة إلى عدم الاحتفاظ بلائحة النظام الأساسي للعمل التي تُدوّن فيها أوقات العمل اليومي وإجازات الأعياد والتدابير والاحتياطات الواجب مراعاتها لتجنّب إصابات العمل، وغيرها من البنود التي ينصّ عليها قانون العمل. فتجاهل مثل هذه الأمور يثير الخلافات بين أصحاب المنشآت والعمال. الاعتبار الثالث أن نشر الثقافة العمّالية أثبت جدواه في تنفيذ الكثير من قرارات وزارة العمل، يبرز في هذا الشأن قرار الوزارة حظر العمل في الأماكن المكشوفة تحت الشمس، فنتيجة للتوعية بأهمية هذا القرار ومضامينه الإنسانية، فإن الغالبية العظمى من الشركات والمؤسسات تلتزم تنفيذه، وهذا يشير بوضوح إلى أنه كلما زادت التوعية بالقوانين، زادت إمكانية تنفيذها. لقد أطلقت وزارة العمل خلال العامين الماضيين العديد من المبادرات المهمة التي تضمن حقوق العمال على مستوى الدولة، ومنها "خدمة راتبي" التي تتيح لعمال القطاع الخاص إمكانية الإبلاغ عن تأخّر المنشآت التي يعملون لديها في تسديد رواتبهم في مواعيدها المحدّدة أو استقطاعها مبالغ منها بصورة غير قانونية، إلى جانب نظام حماية الأجور، والرعاية الصحية، وغيرها من الخدمات التي تضمن توفير البيئة المناسبة للعمال لأداء أعمالهم بكل سهولة ويسر. لكن المشكلة تكمن دائماً في غياب الوعي والمعرفة بهذه المبادرات المهمة لدى قطاع عريض من العمال، لذا فإن التحرك نحو تثقيف هؤلاء العمال بشكل مستمر سيمثل الضمانة لتنفيذ هذه المبادرات وسيحقّق الاستقرار بين طرفي العملية الإنتاجية، العمال وأصحاب المنشآت، وبالشكل الذي ينعكس إيجاباً على استقرار سوق العمل في الدولة. ــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.