قرأنا في نهاية الأسبوع الماضي أن المعهد الجمهوري الدولي الأميركي أجرى استطلاعاً للرأي حول الأوضاع الداخلية في مصر. والنقطة التي أثارها الاستطلاع، الذي ضم عينة مكونة من 1200 مصري، هي أن 2 في المئة فقط من الذين شملهم سيعطون أصواتهم لجماعة "الإخوان المسلمين" خلال الانتخابات المقبلة، في حين صوّت 6 في المئة للمستقلين ومثلها لحزب "الوفد". توازى ذلك مع ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية التركية التي أكد فيها "حزب العدالة والتنمية" ذو الخلفية الإسلامية سيطرته على الساحة السياسية التركية على مدى ثلاثة عشر عاماً. هناك إشارة لا تخلو من دلالة في الحدثين، المصري والتركي. وهي بالنسبة لي القاسم المشترك بينهما، وهو أن الشعب في كلا البلدين هو من قرر أنه بات يركز على التنمية بكل أنوعها، خاصة بعد أن أكدت تركيا إمكانية تحقيق ذلك. الشعارات السياسية الفارغة التي أرهقت الشعوب في منطقتنا لم تعد بتلك الأهمية، إما لأنها لا ترتبط بحاجات المواطن اليومية التي يثور من أجلها الآن في بعض الدول العربية، أو لأنها عبارة عن "ظاهرة صوتية" لا تحقق إنجازات يمكن حسابها بالأرقام وقياسها على تغير في مستوى حياة المواطن البسيط ومساعدته على التغلب على الفقر والحاجة الذي يصطحب معه إحساسه بالأمن والأمان والاطمئنان على مستقبله وأفراد أسرته. عوّدتنا تركيا الأردوغانية على الإثارة في الحدث، السياسي والاقتصادي لها. وخاصة في تركيزها على الجوانب التنموية للإنسان التركي، الذي أحس بتغير في معيشته وصار يعطي صوته لحزب العدالة والتنمية لأنه حقق له إنجازات لمسها على الأرض وساهمت في تذويب المواطن التركي في الدولة الوطنية. أما الرسالة التي حملتها نتائج استطلاع الرأي لمستقبل مصر -والتي جاءت من ناحية التأثر والإعجاب بما تشهده تركيا ويمكن تعميم الأمر على باقي الدول العربية- فتلخصت في أن التركيز خلال المرحلة القادمة سيكون على من سيقدم للشعب برنامجاً تنموياً يعالج واقعه اليومي بعيداً عن دغدغة المشاعر بالشعارات السياسية. الفكر السياسي الذي يعتنقه من يقود الحكم ليس مهماً للمواطن البسيط في أي مكان من العالم. فتركيا وقبلها ماليزيا وسنغافورة هي من الدول الناجحة تنموياً. وهي اليوم تقدم نفسها للعالم نموذجاً للتنمية بفضل الأرقام التي سجلتها. فقد وجد الإنسان التركي ما يريده من هذه الحكومة. وفي ظل هذا الفريق السياسي، فإن المواطن التركي أفضل حالاً، سواء من الناحية الاقتصادية حيث ارتفع متوسط دخل الفرد بنسبة تجاوزت 100 في المئة عما كان عليه قبل عام 2002، أو من ناحية النفوذ السياسي، كما أن نسبة التضخم انخفضت بمعدلات كبيرة، وفي المقابل زاد معدل الناتج المحلي بأكثر من الضعف، كما أن الاستثمار الأجنبي شهد فورة كبيرة. ومن واقع استطلاع الرأي المذكور أكاد أجزم بأن المواطن العربي لا يختلف عن المواطن التركي. وأنه لن ينخدع بالشعارات السياسية والدينية؛ لأنه عانى منها خلال الفترات السابقة. ولن يركز كثيراً على الخلفية السياسية، أو هكذا أعتقد، خلال المراحل المقبلة، لمن سيحكمه، بل تركيزه سينصب على من يمتلك خططاً تنموية تنتشله من واقعه المعيشي المأساوي. والتي ستعمل على إشباع حاجاته وحل مشكلاته الأساسية: الغذاء والمسكن، ومن ثم تأتي بعد ذلك بقية الأمور. تجربة حزب العدالة والتنمية التركي والنتيجة التي خلص إليها استطلاع الرأي يمكن أن يكونا مدخلاً مناسباً لاستيعاب الرسالة التي يريد المواطن العربي إيصالها لقادته السياسيين.