في الوقت الذي تتهاوى فيه بعض الأنظمة في الشرق الأوسط، ويصاب فيه القادة الصينيون بالهلع لمجرد سماعهم لـكلمة "الياسمين"، يرد إلى الذهن سؤالان هما: ماذا عن روسيا؟ وهل النظام الذي أقامه بوتين محصن ضد الموجة الرابعة من الضغوط الديمقراطية؟ يمكن للمرء أن يراهن دون مخاطرة على أن أفراد الدائرة الضيقة المحيطة ببوتين يتسائلون بخصوص الشيء نفسه تقريباً. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن 43 في المئة فقط من الروس قالوا إنهم سيصوتون لحزب بوتين "روسيا المتحدة" في الانتخابات البرلمانية المقرر إجرائها في شهر ديسمبر القادم، مقارنة بـ56 في المئة عام 2009، وذلك بسبب الغضب السائد في أوساط الروس جراء تفشى الفساد في أعلى المستويات، وبسبب عدم البت في قضايا اغتيال عدد من الصحفيين والأفراد الذين ينقبون أعمق مما ينبغي في تربة الفساد. ويرى مركز دراسات وأبحاث مقرب من حزب بوتين أن الحكومة في روسيا تعاني في الوقت الراهن من" أزمة شرعية". وكون أن المزاج العام قد تعكر أثناء موسم انتخابي، يضع بوتين والولايات المتحدة أمام بعض من الخيارات الصعبة. ويمكن لبوتين أن يستجيب لذلك من خلال توفير بعض المنافذ للتنفيث عن السخط السائد، وتوفير المزيد من حرية الحركة للمعارضة التي ضغط عليها حتى كادت أن تتلاشى. وقد تقدمت بعض الشخصيات الروسية السياسية المحترمة مثل بوريس نيمتسوف، وميخائيل كاسيانوف، وفلاديمير ميلوف، وفلاديمير ريزكوف، الذين كانوا قد انشأوا حزباً جديداً، قد تقدموا الشهر الماضي بطلب لتسجيل أسمائهم كمرشحين لخوض الانتخابات القادمة. وإذا كان بوتين ذكياً حقاً، فإن أفضل ما يمكن أن يفعله هو أن يتركهم يخوضون الانتخابات القادمة، لأنهم لن يتمكنوا من الفوز فيها، على الأقل هذه المرة، في مواجهة جهاز الدولة الهائل الذي يسيطر عليه.. ولكن بوتين ومستشاريه قد لا يكونون أذكياء، بل قد يكونون خائفين، وقد يقررون انطلاقاً من هذا الخوف أن يحكموا قبضتهم على زمام الأمور، ويستثيرون بعض المشاعر المناوئة للغرب، ويحاولون الصمود في وجه العاصفة، وهي استراتيجية لو طبقها بوتين، فستكون تماماً مثل الاستراتيجية التي اتبعها مبارك العام الماضي. ولكن، ما الذي سيفعله أوباما في هذه الحالة؟ حتى الآن لم تستهدف"سياسته المعاد ضبطها" سوى السياسة الخارجية الروسية، في محاولة للحصول على المزيد من الدعم من روسيا بشأن الملف الإيراني، وبشأن الوضع في أفغانستان، ومن أجل توقيع معاهدة الحد من الأسلحة، ومحاولة التوصل إلى صفقة بشأن الدفاع الصاروخي. ولم تركز هذه السياسة كثيراً على السياسات الداخلية الروسية التي تزاد سلطوية على الدوام. ويأمل المسؤولون الأميركيون أن يتمكن ميدفيديف ذو العقلية الإصلاحية والغربي الهوى من حسم صراع القوى، الذي يدور بينه وبين بوتين، والذين يقرون فيما بينهم أنه لا يمتلك فرصة فيه. وهذا سبب من ضمن الأسباب التي تدفع أوباما للقول بأنه يريد انضمام روسيا لمنظمة التجارة العالمية في الوقت الراهن رغبة منه في تعضيد موقف ميدفيديف الداعي لـ"التحديث". كل ذلك يمكن أن ينهار بالطبع إذا تمكن بوتين من إزاحة ميدفيديف جانباً، وقرر خوض انتخابات الرئاسة مرة ثانية. وإذا فاز بوتين - ومن المتوقع أن يفوز - فإنه سيكون مؤهلاً للحكم لفترتين رئاسيتين مدة كل منهما 6 سنوات أي أنه سيظل رئيساً لروسيا حتى عام 2024، وبذلك سيكون قد تواجد على الساحة السياسية الروسية لمدة ربع قرن كامل - إذا أخذنا في الاعتبار أنه قد تولى السلطة كرئيس للمرة الأولى عام 1999. السؤال في هذه الحالة سيكون: هل يمكن للولايات المتحدة أن تعمل مع مثل هذه الدولة السلطوية التي يقودها رئيس لمدى الحياة يسحق أي معارضة؟ البعض في الإدارة الأميركية لا يعتقدون ذلك، بل يشكّون في احتمال قيام المستثمرين بالذهاب لدولة على مثل هذه الدرجة من الخطورة، بل ويشكّون أن يتبنى الشعب الأميركي شراكة طويلة الأمد مع هذه الديكتاتورية الجديدة التي يقوم على رأسها رجل مثل بوتين، يتبنى سياسات مناوئة للولايات المتحدة. ومما يشار إليه في هذا السياق أن نائب الرئيس الأميركي قد قال أثناء زيارة لموسكو هذا العام إن روسيا بحاجة إلى مزيد من الحرية، والديمقراطية، واحترام القانون إذا أرادت أن يكون لها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة. كما أن "مايكل ماكفاول" الخبير في الشؤون الروسية، والذي سيعين عما قريب مبعوثاً لروسيا قال مؤخراً إن سياسة "ضبط العلاقة" مع روسيا تحتاج إلى التركيز - بنفس القدر من الاهتمام الذي يتم في مجال السياسة الخارجية -على قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان. ليس كل أعضاء الإدارة بالطبع يتبنون هذا الرأي، بل إن آخرين يرون أن سياسة "إعادة الضبط" هي أكثر سياسات بوتين نجاحاً، وأنه ليس هناك ما يدعو لإثارة ثائرة بوتين من خلال إثارة أسئلة محرجة. وفي الوقت الذي تراجع فيه الإدارة الأميركية نفسها بشأن الأولويات التي يجب الاهتمام بها في إطار العلاقة مع روسيا، قرر الكونجرس التدخل لملء فراغ السياسة الناشئ عن ذلك. حيث يتوقع أن يقدم السيناتور جون ماكين والسيناتور جو ليبرمان اقتراحاً، يدعو روسيا للسماح بتسجيل الأحزاب السياسية وحرية وسائل الإعلام، وحرية التجمع، والسماح بوجود مراقبين محليين ودوليين للانتخابات القادمة، ودعوا أوباما لجعل ذلك على رأس سلم أولوياته. وما يمكن قوله في نهاية المطاف أن موقف روسيا السياسي، في غمرة كل تلك الاضطرابات التي تجتاح الشرق الأوسط قد جرى تجاهله لحد كبير، وأن معظم الناس في أميركا يعتقدون أن فرص التغيير هناك، ربما لا تدعو للتفاؤل. ولكن الشيء المؤكد في هذا الصدد هو روسيا ليست مستقرة أبداً على النحو الذي قد تبدو عليه في الظاهر - وهو الشيء الذي يقلق أنصار بوتين في الحقيقة، خصوصاً وأنه في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كان الجميع يعتقدون أن مبارك قد أحكم سيطرته على زمام الأمور. روبرت كاجان زميل رئيسي معهد بروكنجز ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"