لقد بدأ السباق لتحديد هوية المرشح الجمهوري الذي سيواجه أوباما في الانتخابات الرئاسية لعام 2012، فلشهور عدة تقدم العديد من الأشخاص لإعلان نيتهم إما للترشح نيابة عن الحزب الجمهوري، أو تشكيل ما يسمى بـ"اللجان التفسيرية" للبت فيما إذا كان المرشحون مؤهلين لتمثيل الحزب في الاستحقاقات المقبلة، وإلى غاية اللحظة وعلى رغم عدم حسم الأمور تضم حلبة السباق مجموعة من الأسماء والشخصيات المتطلعة للترشح باسم الجمهوريين منها ثلاثة حكام سابقين (ميت رومني وتيم بولنتي وجون هانتسمان) وسيناتور سابق "ريك سانتوريم"، ورئيس سابق لمجلس النواب (نيوت جينجريتش)، فضلًا عن عضوين حاليين في الكونجرس (ميتشيل باتشمان ورون بول)، بالإضافة إلى رجل أعمال "هرمان كين"، ويبدو أن من بين جميع المرشحين يبرز "ميت رومني" باعتباره الأوفر حظّاً للظفر بتزكية الجمهوريين، ولكونه أيضاً المترشح السابق لنيل بطاقة ترشيح الحزب للرئاسة في انتخابات عام 2008. ولكن وبالنظر إلى ميوله المعتدلة وسجله البعيد عن التعصب كحاكم جمهوري سبق أن مرر خلال ولايته قانوناً لإصلاح الرعاية الصحية يتقاسم العديد من المشتركات مع التشريع الذي أقره أوباما، وبالنظر أيضاً إلى انتمائه إلى طائفة "المرمون" المسيحية، فإن كل ذلك يجعل منه خياراً غير مريح بالنسبة للعديد من المسيحيين الإنجيليين في الجناح اليميني من الحزب الجمهوري. أما باقي الخيارات فهي على رغم تنوع خلفياتها وتعدد مشاربها تشوبها الكثير من العيوب لعدم تحمس الناخبين الجمهوريين، حسب أغلب استطلاعات الرأي، للمرشحين المتواجدين حاليّاً في الساحة، والذين يتنافسون على الفوز بتزكية الحزب الجمهوري، ولذلك فهم ينتظرون بفارغ الصبر ظهور "مرشح نجم" يتقدم لاستعادة قيادة الحزب. ومع انسحاب أغلب المرشحين المعتدلين من السباق وتفضيل المخضرمين من الحزب الجمهوري البقاء خارج الصراع يبقى نجم هذه الانتخابات هو "ريك بيري" حاكم تكساس. وعلى رغم استمرار التسابق بين المرشحين وعدم الحسم في الاسم الذي سيمثل الحزب الجمهوري في الاستحقاقات المقبلة فقد كان من المهم متابعة المناظرة التي نقلتها محطة "سي. إن. إن" ودارت بين المرشحين الجمهوريين في الأسبوع الماضي. ولعل من الملاحظات الأساسية التي خرجتُ بها من النقاش ظاهرة جنوح الحزب الجمهوري إلى اليمين واعتناقه لمبادئ المتطرفين، وهي حقيقة لن يغيرها صعود نجم جمهوري ينقذ الحزب من انزلاقه المتسارع نحو اليمين والخطاب المتعصب، فـ"بيري" الذي يُفترض فيه الاضطلاع بهذا الدور لا يملك ما يكفي من المؤهلات، إذ يظل في النهاية رجلًا وسيماً وكاريزمياً من تكساس يسعى إلى توظيف مميزاته تلك لا غير لاستمالة قلوب الأميركيين. وقد اتضحت الميول اليمينية للحزب الجمهوري بشكل جلي من خلال سؤالين وجها إلى المرشحين أثناء المناظرة وكشفا العديد من الاختلالات، ففي لحظة من لحظات النقاش تقدم قيادي جمهوري من ولاية "نيوهمبشاير" بعدما أكد أنه معتدل وغير منتمٍ إلى أية حساسية أيديولوجية بسؤال حول الضمانات التي سيقدمها المرشحون "لتبني مقاربة متوازنة في الحكم لحل المشاكل العصية"، ولكن بدلًا من الجواب عن السؤال فضل المرشحون تجاهله تماماً والتركيز في المقابل على إبراز مؤهلاتهم كمرشحين يمينيين من خلال التودد لحركة "حفلة الشاي". والحقيقة أن هذا التقرب من "حفلة الشاي" يطرح مشكلة كبرى بالنسبة للحزب الجمهوري، إذ في الوقت الذي ساعد فيها حماس الحركة اليمينية الحزب في تأمين أغلبية خلال انتخابات الكونجرس الأخيرة ما أعطاها وزناً حقيقيّاً في تحديد الأسماء التي ستترشح نيابة عن الحزب في الانتخابات المقبلة، وهو ما يفسر عدم رغبة المرشحين في إثارة غضبها، إلا أن الأمر يختلف تماماً في الانتخابات الرئاسية إذ على عكس انتخابات التجديد النصفي، التي تشهد مشاركة ضعيفة وتقتصر في الغالب على المتحمسين للحزب، تتميز الانتخابات الرئاسية عادة بمشاركة واسعة من الناخبين، لاسيما الأغلبية الصامتة الأكثر اعتدالاً في المجتمع الأميركي. ففي الانتخابات الرئاسية تلعب الأصوات المستقلة والمعتدلة دوراً كبيراً في تحديد رئيس أميركا المقبل، ولذا فإن الجمهوريين قد يخسرون الجمهور الأميركي الأوسع فيما يحاولون إرضاء اليمين المتطرف داخل الحزب الجمهوري. ومن الأمثلة الفاقعة على التحول الجمهوري نحو اليمين وتفشي التطرف تلك الأجوبة التي تقدم بها المرشحون خلال المناظرة عن سؤال عما إذا كانوا مرتاحين لوجود مسلم في إدارتهم، حيث أجاب رجل الأعمال "كين" الذي كرر ما كان عبر عنه سابقاً مؤكداً أنه لن يشعر بالارتياح مع وجود مسلم في الإدارة، موضحاً موقفه بالقول "إنهم الأشخاص الذين يحاولون قتلنا"، ثم حشر عبارة لا محل لها من الإعراب عندما قال "لا أومن بالشريعة الإسلامية"، مضيفاً أنه يقترح إخضاع المسلمين في أي منصب رسمي لقسَم الولاء للولايات المتحدة قبل توليهم وظيفة حكومية. وبالطبع وافق "جينجريتش" هذا الرأي المتطرف وشدد على أهمية قسم الولاء قائلاً: "لقد فعلنا ذلك مع النازيين ومع الشيوعيين وعلينا التحلي بالشجاعة للقيام بذلك اليوم أيضاً". ولم يبدِ بعض المرونة سوى "ميت رومني" الأكثر اعتدالاً ربما بالنظر إلى اختلافه الديني وتركيزه على حرية المعتقد. ولكن اللافت عموماً في كل ذلك هو صمت قيادة الحزب الجمهوري في الأيام اللاحقة، فرفضهم التعبير عن إدانة مظاهر التعصب وانعدام التسامح التي أبداها المرشحون الجمهوريون يؤكد دون أدنى شك مدى الانحدار الخطير للحزب الجمهوري إلى هاوية اليمين المتطرف.