في مدينة "فوتوبا" التي باتت اليوم خاوية على عروشها، داخل منطقة الإخلاء المحيطة بمحطة فوكوشيما دايتشي، تنتصب لوحة عند مدخل شارع رئيسي كتب عليها "الطاقة النووية هي طاقة غد مشرق". ولكن اليوم وبينما يواصل العمال كفاحهم لاحتواء تسرب إشعاعي في المحطة، اضطرت اليابان التي تفتقر إلى مصادر الطاقة إلى إعادة النظر في ذلك الالتزام بالطاقة النووية، وبدأت البحث عن بدائل أخرى. وفي هذا السياق، تؤكد سياسة جديدة في مجال الطاقة، بدأ رئيس الوزراء الياباني "ناوتو كان" شرح خطوطها العريضة هذا الأسبوع، على أهمية الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ولكنها تتطلب استثمارات مكلفة إضافة إلى الإبداع والابتكار. ففي خطاب ألقاه هذا الأسبوع، أشار "كان" إلى عدد من الأهداف المحددة حيث قال مثلًا إن الطاقة الشمسية ينبغي أن تكلف بحلول 2020، ثلث ما تكلفه اليوم. وبحلول 2030، ينبغي أن تنخفض كلفتها إلى سدس الكلفة الحالية. وفي غضون عشر سنوات أو نحو ذلك، ينبغي أن يكون مصدر 20 في المئة من إجمالي إمدادات اليابان الطاقية من الموارد المتجددة، أي ضعف الحصة الحالية أو أكثر. كما قال "كان" أيضاً إن حوالي 10 ملايين بناية ينبغي أن تتوفر على ألواح شمسية بحلول 2030. ويحث "كان" مواطنيه على ترشيد استعمال الطاقة، مشيرا إلى أنه يرغب في أن يكون برنامج اليابان النووي أكثر أمناً وأصغر حجماً؛ غير أنه يعلم أن كل هذه الخطوات ستتطلب تغييراً جذرياً، والدليل على ذلك استعماله كلمة "تحد" ما لا يقل عن سبع مرات أثناء شرحه لمبادئ سياسة اليابان الجديدة في قطاع الطاقة. قبل حادث فوكوشيما، الذي يعد أخطر أزمة نووية في غضون ربع قرن من الزمن، كانت اليابان قد أمضت عقوداً في الترويج والتهليل لمزايا الطاقة الذرية؛ حيث كانت المحطات النووية توفر 30 في المئة من احتياجات البلاد من الطاقة، مع مخططات لرفع هذه النسبة إلى 50 في المئة بحلول 2030. غير أن حادث فوكوشيما، الذي تسبب فيه زلزال الحادي عشر من مارس الذي ضرب اليابان والتسونامي المدمر الذي تلاه، كان السبب في خروج مظاهرات كبيرة الحجم مناوئة لاستعمال الطاقة النووية ونقاش وطني حول أمن المحطات النووية. ولكن مسؤولين حكوميين يشددون على أن البلاد لن تتخلى عن الطاقة النووية بشكل كامل، وهناك الكثير من الأسباب التي تفسر هذا الموقف في الواقع، ومن ذلك حقيقة أن الطاقة النووية تقلص واردات اليابان من الوقود الأحفوري. كما أنها لا تنتج ثاني أكسيدالكربون، وفوق ذلك رخيصة. غير أن موقع الطاقة النوية في مستقبل اليابان تغير بشكل واضح. ذلك أن اليابان من غير المرجح أن تبني مفاعلات جديد، مثلما أعلن "كان" هذا الأسبوع في حوار مع صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، وهو مؤشر آخر واضح على أن البلاد قد أخذت تبتعد عن أهداف الطاقة النووية لمرحلة ما قبل الحادي عشر من مارس. والجدير بالذكر أن 17 فقط من المفاعلات اليابانية الـ54 تنتج الطاقة حالياً، حيث أُغلق 22 منها من أجل عمليات تفتيش مقررة أو غير مقررة، حسب الجمعية النووية العالمية. وإضافة إلى ذلك، فقد تم توقيف تشغيل مفاعلين اثنين في منطقة معرضة للزلازل جنوب غرب طوكيو بأمر من الحكومة؛ هذا في حين توقفت تسعة مفاعلات بشكل أوتوماتيكي يوم الزلزال، مثلما هو مصمم لها أن تفعل، ومازالت متوقفة إلى اليوم. أما المفاعلات الأربعة المنكوبة في محطة "فوكوشيما دايتشي"، فإنها لن تستعمل أبدا مرة أخرى من أجل توليد الطاقة الكهربائية. وبسبب أزمة فوكوشيما، فقد سجلت شركة كهرباء طوكيو - التي تنتج 27 في المئة من الطاقة الكهربائية للبلاد - نقصاً كبيراً في الإنتاج. ومن أجل تقليص استهلاك الكهرباء وتجنب انقطاع التيار الكهربائي خلال أشهر الصيف التي تعرف ارتفاعاً في الاستهلاك، دعت الحكومة إلى خفض استعمال الكهرباء بنسبة 15 في المئة اعتباراً من الأول من شهر يوليو المقبل. غير أنه يُلاحظ منذ الآن أن السلالم المتحركة في محطات مترو الأنفاق في طوكيو لا تشتغل. كما تحافظ مراكز التسوق على مستوى الإنارة فيها خافتاً؛ والشركات لا تقوم بتشغيل مكيفاتها الهوائية إلى الحدود القصوى. ويرغب "كان" في أن تكون بعض هذه التغيرات طويلة المدى، حيث دعا إلى "ثقافة جديدة لاستهلاك الكهرباء". وعلى رغم أن رئيس الوزراء حدد أهدافاً جديدة للطاقة، فإنه لم يوضح بعد تفاصيل الطريقة التي سيتم بها تحقيق هذه الأهداف، وبخاصة كيف ستقوم اليابان بخفض كلفة الطاقة الشمسية بشكل جذري. فحسب وزارة الاقتصاد اليابانية والتجارة والصناعة، فإن كلفة إنتاج الطاقة الشمسية تبلغ 60 سنتا للكيلووات ساعة، في حين تكلف الطاقة النووية 6 إلى 8 سنتات للكيلووات ساعة. والحال أنه حتى تحقق اليابان هدف خفض السعر، فإن الطاقة الشمسية ينبغي أن تكلف 10 سنتات تقريبا للكيلووات ساعة بحلول 2030. وسيرغم التشريع المقترح شركات الخدمات على شراء الكهرباء من مشاريع ضخمة للطاقة الشمسية؛ ولكن اليابان تأمل أيضاً أن يؤدي تقدم وتطور التكنولوجيا إلى خفض الكلفة. غير أن التخوفات داخل الحكومة تتعدى مسألة السعر؛ حيث أشارت وزارة الاقتصاد، في تقرير لها صدر في 2010، إلى أن بعض مصادر الطاقة المتجددة هي "غير مستقرة، والمحطات لا يمكن إنشاؤها إلا في عدد محدود من المناطق بسبب الشروط المطلوبة من حيث الطوبوغرافيا وما إلى ذلك". وفي هذا السياق، يقول "كين كوياما"، مدير معهد اقتصاد الطاقة في طوكيو: "أعتقد أنه من الجيد تحديد رؤية طموحة للطاقة المتجددة"؛ ولكن الاعتماد على الطاقة النووية بدون تحديد كيفية خفض السعر أولاً "سيكون أمراً خطيراً"، كما يقول، مضيفاً أنه إذا جرى تغطية كل الأسطح في منطقة وسط طوكيو بالألواح الشمسية، فإن كمية الطاقة التي سيتم إنتاجها ستعادل الكمية التي ينتجها مفاعل نووي واحد. ------- تشيكو هارلا كاتب متخصص في الشؤون العلمية ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"