تردد الصحف هذه الأيام اسم الإسرائيلي "إيلان تشايم جرابيل" الذي قبضت عليه السلطات المصرية بتهمة التجسس ومحاولة التخريب في مصر من خلال الوقيعة بين الشعب والجيش وإثارة الفتن. الشاب يحمل في الوقت نفسه جواز سفر أميركياً وسبق له الخدمة في الجيش، وهو يتحدث العربية بطلاقة وبلكنة فلسطينية ولبنانية، وله صور عديدة مع شبان مصريين داخل مصر. الإشكال حول هذا الجاسوس يأتي من رد فعل بعض شباب مصر الذين شاركوا في الثورة، حيث يقولون على مواقعهم في "الفيسبوك" إن هذه القضية ملفقة وغير حقيقية وإن هدفها تشويه صورة الثورة والزعم بأنها تعرضت للتحريك من الخارج. لقد التقطت الصحف الإسرائيلية هذه الأقوال المصرية، وأعادت نشرها معتمدة عليها في الزعم أن هذه قضية مفبركة تأتي لإلهاء المصريين عن القضايا الداخلية. لقد طلب بعض الصحفيين معرفة رأيي، فقلت لهم إنني أناشد الشباب أن يضعوا خطاً فاصلاً بين أمرين: الأول احتمال أن تقوم إسرائيل بالفعل بدفع بعض عناصرها للتجسس وإثارة الفتن والعمل على تشويه صورة الثورة بتشجيع الفوضى. أما الأمر الثاني، فهو ثقة الجميع في طهارة شباب التحرير الذين أطلقوا الثورة وبعدهم عن أي شبهات للتحريك من الخارج كما كان يردد أعداؤهم من قبل. هذا التمييز أصبح ضرورة وعي وطني، فليس من المعقول أن يسارع بعض الشباب المصريين إلى البت في القضية، وهي ما زالت أمام سلطات التحقيق وذلك بإصدار حكم بالبراءة على المتهم لمجرد تصورات غير مثبتة، تفيد أن هدف القضية هو تشويه لصورة الثورة. فمن الممكن أن يكون المتهم قد جمع المعلومات بالفعل واستخدم معرفته باللغة العربية في تحريض بعض المتجمهرين غير الواعين على مهاجمة أحد أقسام الشرطة وأنه قام بتسخين بعض السلفيين في إمبابة ضد المسيحيين كما تقول الاتهامات الموجهة له تحضيراً لإشعال الفتنة وتشويه صورة الثورة. هذه الإمكانية لا تعني بالضرورة توجيه اتهام للثوار أو تشويه الثورة. أريد هنا أن أوجه الأنظار إلى إسرائىلي آخر أصبح شهيراً في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي، وهو وزير الدفاع "اسحق لافون"، الذي تفجرت قضية تحمل اسمه عام 1954 بسبب الأنشطة التخريبية الإسرائيلية في مصر، وموجز ما حدث أن الإسرائيليين لاحظوا أن علاقات ضباط ثورة يوليو 1952 بالأميركيين كانت في تحسن مستمر كما لمسوا تقدماً في المفاوضات التي يجريها هؤلاء الضباط مع السلطات البريطانية حول الانسحاب من مصر وتوقيع اتفاقية لجلاء القوات البريطانية. لقد نظمت الاستخبارات الإسرائيلية مجموعة من الجواسيس والعملاء وكلفتهم وكانوا من اليهود المصريين تحت قيادة ضباط الموساد، بالقيام بعدة تفجيرات للمنشآت الأميركية والبريطانية لإحداث الوقيعة بين مصر والدولتين. لقد تم ضبط بعض أفراد الشبكة فور أحد التفجيرات وقادت التحقيقات إلى اعترافات كاملة، وهو ما فجر أزمة في إسرائيل، حيث أكد "لافون" أن الاستخبارات قامت بالعمليات بدون علمه كوزير للدفاع، وهو ما قدم برهاناً قاطعاً على صحة التحقيقات المصرية. إنني أذكر بـ"لافون" حتى لا يتسرع الشباب في تبرئة "جرابيل" بفعل حساسية مفرطة.