كشفت أحداث "الربيع العربي" المتمثلة في الحركات الاحتجاجية العربية، أن هنالك إشكالية كبيرة تواجه المثقفين العرب، وهي عدم قناعة بعض المثقفين بالديمقراطية والتغيير السلمي. فهؤلاء المثقفون اتخذوا مواقف مؤيدة وداعمة لأنظمة استبدادية وقمعية من منطلق قومي أو ديني أو يساري أو وطني، حيث دافعوا عن هذه الأنظمة تحت مبرر مقاومة الاستعمار والتصدي للمخططات الصهيونية التوسعية، أو رفض التغريب والحداثة والمحافظة على القيم والتقاليد العربية الإسلامية... وبالأمس كنا قد وجدنا قطاعاً عريضاً من المثقفين والأكاديميين والكتاب والمحامين العرب الذين دافعوا دفاعاً مستميتاً عن ديكتاتور عراق صدّام. اليوم نجد في أكثر من مكان، نفس هؤلاء المثقفين والكتاب والمحامين، يدافعون عن الأنظمة الاستبدادية التي خرجت شعوبها مطالبة بالحرية والديمقراطية، ففي ليبيا مثلاً أخذ بعض المثقفين موقفاً معادياً للثورة الشبابية من منطلق أن الثوار استعانوا بالتحالف الدولي لحماية أنفسهم ومهدوا الطريق للغارات الجوية على قوات القذافي. وفي طرابلس تناسى هؤلاء المثقفون ممارسات النظام بحق شعبه طوال أربعين عاماً الماضية، وعندما ثار الشعب توعده الزعيم الليبي في مقولته المشهورة: "إما أن أحكمكم أو أقتلكم"، وسلط كل ترسانته من الأسلحة على الجماهير المدنية المسالمة، فقط لأنهم يريدون الحرية والديمقراطية! وفي سوريا نجد صمتاً عربياً مريباً تجاه ما يحدث من قتل وتشريد ومطاردة للمحتجين العُزل، الذين خرجوا في مظاهرات سلمية، فواجههم الجيش السوري الذي لم يستعرض قوته أمام المحتل الإسرائيلي للجولان منذ سنين طويلة، ولم يطلق رصاصة واحدة ضد الصهاينة، لكننا نجده اليوم يستأسد على الشعب الأعزل ويستعمل كل أنواع الأسلحة ضده! والأدهى من كل ذلك أن يتصدى بعض المثقفين العرب في الإعلام العربي للدفاع عن النظام وتبرير تصفيته للأطفال وتشريده للأسر. هنا نطرح تساؤلاً حيوياً ومحيراً: لماذا يقف بعض مثقفي العرب وكتابهم وأكاديميوهم مع الأنظمة الاستبدادية ضد شعوبهم؟ الإجابة تكمن في حقيقة أن الموروث الثقافي العربي به آفات ونزعة استبدادية، ويقول الدكتور حسن حنفي: "إن الحاضر ما هو إلا تراكم للماضي وإن ما يحدث في واقعنا اليوم من خلال سلوكنا اليومي، إن هو إلا تراكم تاريخي لماض عشناه، بل لا نعيش حاضرنا إلا بقدر تدخل ماضينا فيه. وبالتالي فإن أزمة الحرية والديمقراطية في وجداننا المعاصر ليست بنت اليوم، بل هي امتداد لوضع حضاري واستمرار له منذ ما يقارب ألف عام". الانتقال الديمقراطي يتطلب ثقافة سياسية جديدة، حيث تحل الثقافة ذات النزعة النسبية محل النزعة الشمولية الاستبدادية، كما تتطلب الثقافة الديمقراطية تبني سياسة التوافق التاريخي والتعاقد والتنازل المتبادل محل قواعد التسلط والاحتكار والإلغاء والمشاركة الطبيعية للجميع... كما عبر عن ذلك الدكتور علي الدين هلال بقوله، إنه لا أمل لنا في حل هذه الأزمة في وجداننا إلا إذا حدث انقلاب ثقافي في حياتنا العقلية نتخلص بمقتضاه من التصور السلطوي للعالم، وأن نأخذ الليبرالية في الحياة والفكر.