خلال السنوات الأخيرة بدأ السودان في إنتاج النفط تجارياً، وذلك رغم القلاقل السياسية التي يمر بها، ورغم ما جلبه النفط من مشاكل بين الأقاليم. ويمكن القول إنه رغم ما يعم السودان من شعور بالتفاؤل المستقبلي حول استخدام النفط في عمليات التنمية، فإنه توجد الكثير من المحاذير المثيرة للقلق. وعلى ضوء التجربة الخليجية مع النفط فإن التاريخ يفصح بأن الحكمة والحذر وثقة الشعوب بالقيادة أمور ضرورية عندما تتعلق المسألة بكيفية إدارة عوائد النفط. والأمثلة الصارخة بهذا الشأن تتضح من تجارب العراق وليبيا وإيران اللواتي لم تنعكس عوائد النفط على شعوبها مثلما حدث في دول مجلس التعاون الخليجي. وما نستطيع قوله هو إن السودان بلد واعد ولديه الكثير الذي يمكن أن يقدمه كقدوة للآخرين لولا ما ألمّ به من نكبات على يد نخبه السياسية منذ الاستقلال عام 1956. اقتصاد السودان لا زال يعتمد على المحاصيل الزراعية الأولية والثروة الحيوانية التي تشكل مجتمعة سلعاً تصديرية تدر عوائد البلاد بين العملات الصعبة، إلا أن عدم الاستقرار السياسي والسياسات الاقتصادية المتعثرة لم تمكن السودان من تحقيق معدلات نمو اقتصادي قوية، وربما أن الاقتصاد تراجع أداؤه منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وارتفعت معدلات التضخم وانتشر الفساد ومظاهر الفقر انتشار النار في الهشيم وزادت معدلات وفيات الأطفال وتلوث المياه والبيئة، بالإضافة إلى فقدان البلاد إلى دعم العديد من الأشقاء والأصدقاء في الخارج. وهذا يقود إلى القول بأنه مع وجود النفط فإن توقعات المواطنين بأن عوائده ستفعل في البلاد فعل السحر صارت مرتفعة جداً، وبأن العوائد ستخلق الفارق في معيشتهم بسرعة كبيرة. وربما أن هذه الفكرة بحد ذاتها تشكل مصدر خطر على سلامة النسيج الاجتماعي والسياسي للبلاد. وإذا تم استقرار البلاد سياسياً، فإن المتوقع هو ارتفاع دخل السودان من عوائد النفط خلال السنوات الخمس القادمة، ما سيشكل إضافة حقيقية لمداخيل البلاد المالية، وهذا في تقديرنا يولد حاجة جوهرية إلى تحقيق توازن مالي للبلاد من شأنه أن يحقق ثلاثة أهداف استراتيجية هي استخدام عوائد النفط، لصقل الميزانية الحكومية وجعلها قادرة على الأداء المتميز، واستخدام العوائد النفطية لتأسيس صندوق قومي يضمن للبلاد وسيلة لتراكم احتياطيات مالية، تؤمن مستقبل الأجيال الحالية والمستقبلية على شكل استثمارات رأسمالية طويلة الأمد، واستخدام العوائد النفطية في تقوية رأس المال البشري من خلال الاستثمار في التعليم والصحة، وتدريب الكوادر المواطنة إدارياً وتقنياً، وتعزيز البنى التحتية كافة. لكن المحزن أن السودان لا يزال يعاني من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهذه الحالة قد تستمر لفترة إذا لم يتم السعي إلى حلها بجدية متناهية. وفي الوقت نفسه، فإن توقعات المواطنين تجاه عوائد النفط تزيد ارتفاعاً، ويعتقد الجميع بأنه سيجلب لهم الغنى والثروة التي غابت عنهم طويلاً. إن عدم قدرة النظام على جلب الاستقرار للبلاد يتزامن مع عدم وجود شفافية حول القدر الذي يتواجد لدى البلاد من النفط والقدر الذي تحقق لها من عوائد حتى الآن، وأطياف المجتمع السوداني العرقية والإثنية والإقليمية منزعجة كثيراً من عدم معرفتها لكيفية وآليات استخدام عوائد النفط التي تم الحصول عليها وحول طبيعة العقود النفطية المبرمة مع الشركات الأجنبية. وهذه جميعها أمور تضيف أعباءً سلبية إضافية على كاهل النظام، وتثير ضده الكثير من التململ الشعبي، إن لم يكن المعارضة التي تصل إلى حد حمل السلاح.