كشفت دراسة أجرتها مجموعة من الباحثين الأميركيين تراجعاً ملحوظاً في الكتل الثلجية التي تكسو قمم جبال "روكي" الأميركية بسبب تضافر سلسلة من العوامل منها ما هو متعلق بالتغيرات المناخية، ومنها ما هو مرتبط بظاهرة الاحتباس الحراري، التي تسرع وتيرة ذوبان الثلوج، لكن هذه المرة لاحظ العلماء تسارعاً غير مسبوق في وتيرة التراجع تعد الأكبر منذ 800 سنة. وحسب الدراسة التي نشرت يوم الجمعة قبل الماضي بدورية "ساينس" العلمية المرموقة، يكمن السبب الرئيسي الذي يعتقد العلماء أنه سيؤثر على مستقبل المنطقة واستمرار كتل الثلوج بها في ارتفاع درجات الحرارة مقارنة بعوامل أخرى لعبت دوراً مهماً في السابق مثل الانزياحات الثلجية في قمم الجبال؛ والتأثير الذي يتخوف منه العلماء في حال تصاعد وتيرة الحرارة وتناقص الكتل الثلجية الكبرى هو تراجع كميات المياه العذبة في الغرب الأميركي، وحرمان قطاع واسع من السكان من احتياجاتهم من الماء. ويحذر العلماء من أنه إذا استمر انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تنفثها المصانع ستواصل دراجات الحرارة ارتفاعها، وسيستمر ذوبان الثلج الذي يهدر بدوره كميات كبيرة من المياه، وفي هذا الإطار يقول "جريجوري بديرسون"، وهو عالِم متخصص في الطاقة المائية بمركز "بوزمان" الأميركي: "لقد صُدمت عندما قرأت الدراسة واطلعت على نتائجها"، ويرى "بديرسون" أنها ليست المرة الأولى في تاريخ كوكب الأرض، التي تذوب فيها الكتل الثلجية الكبرى في سلسلة جبال "روكي"، فقد شهدت مصيراً مشابهاً تقريباً قبل 1300 إلى 1400 سنة، لكن الحرارة في تلك الفترة لم تكن بنفس الدرجة التي عليها اليوم، ولم يكن التغيير ملحوظاً بالصورة التي نراها في المرحلة الحالية، بحيث تتسارع وتيرة الذوبان مع الارتفاع المتزايد لدرجة الحرارة. ومع أنها ليست المرة الأولى التي يدرس فيها العلماء التغيرات الطارئة على سلسلة جبال "روكي" في الغرب الأميركي بعد الدراسات التي أجريت عام 2005 على كثافة الثلوج، فإنها المرة الأولى التي يسعى فيها العلماء إلى تعقب تاريخ شامل للجبال بصورة منهجية تركز على غطائها الثلجي والتغيرات التي لحقت به على مدى آلاف السنين. وقد اعتمد فريق العلماء الذي يضم باحثين من كندا في دراستهم على تقنية جذوع الأشجار لتحديد الحقب التاريخية وقياس درجات الحرارة عبر السنين مع تركيز خاص على مناطق بعينها يعتقد العلماء أنها شهدت أكبر قدر من تناقص الثلوج وهي "كولومبيا" و"ميسوري" و"كولورادو". وتتجلى أهمية الدراسة في دقها ناقوس الخطر بشأن توافر المياه في الغرب الأميركي، فرغم أن ظاهرة الاحتباس الحراري ترجع إلى منتصف القرن العشرين مع تنامي التصنيع وما رافقه من تلوث، فإن الفرق اليوم هو الكثافة السكانية التي تزايدت منذ تلك الفترة، بحيث تضم منطقة جبال "روكي" بما تشمله من مدن وبلدات أكثر من سبعين مليون أميركي، كما أن أغلب احتياجاتهم المائية التي يقدرها العلماء بحوالي 80 في المئة من الاستهلاك، تأتي من المياه الجوفية والأنهار التي تعتمد على ثلوج جبال الروكي. وفي تفاصيل الدراسة، لاحظ العلماء تبايناً في وتيرة ذوبان الثلوج بين الجزء الشمالي لسلسلة الجبال والجزء الجنوبي، بحيث رصدت الدراسة قدرة أكبر في الشمال على مقاومة درجة الحرارة بسبب انخفاضها النسبي لقربها من الأجواء الباردة، فيما ثلوج المناطق الجنوبية الأقرب إلى الكتل الهوائية القادمة من أميركا اللاتينية هي الأكثر تعرضاً للذوبان، لكن رغم ذلك أكد العلماء أن انحسار الكتل الثلجية امتد إلى المناطق الشمالية منذ ثمانيات القرن الماضي بسبب تأثير الاحتباس الحراري الذي يمنع انعكاس أشعة الشمس من الأرض لتظل حبيسة الغلاف الجوي. وتبقى الخلاصة الأساسية للدراسة وفقاً للباحثة "جوليت كريستيان-سميث" من معهد "الباسفيكي" هي تراجع مخزون الغرب الأميركي من المياه التي يعتمد عليها ليس فقط في سد حاجات السكان من الشرب، بل في تلبية مطالب القطاع الصناعي والزراعي. وما لم تسارع الحكومة الأميركية من خلال وكالاتها المختلفة إلى معالجة المشكلة واستباق ما قد يحدث من نقص في المياه، فإن الضرر سيكون اقتصادياً بالدرجة الأولى، ذلك لأنه مع تناقص المياه، أو صعوبة الوصول إليها، ستختفي الأراضي الزراعية كما المصانع ومعها ستختفي الآلاف من فرص العمل. وترى الباحثة- كما العديد من المراقبين- أن شبح البطالة كفيل بإخافة السياسيين ودفعهم للتحرك لارتباط البطالة بالانتخابات. ورغم اعتقاد البعض أن المياه السطحية التي تبدو متوفرة بكثافة في الغرب الأميركي كافية لسد احتياجات السكان، تؤكد الباحثة أن الحجم الأكبر من المياه التي ستحتاجها المنطقة في المستقبل تخبؤها الكتل الثلجية، تلك الكتل تقول الباحثة تمثل "خزاناً طبيعياً ومصدراً متجدداً للمياه"، وتضيف أن التعامل الحالي للسلطات التي تركز على إجراءات مكافحة الجفاف تبقى غير كافية في التعاطي مع المشاكل الاستراتيجية ذات المدى البعيد، مقترحة سن قوانين صارمة تحد من الاحتباس الحراري وتحمي الكتل الثلجية من الذوبان. بيتر سبوتس كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان سيانس مونيتور"