مشهدان عربيان تتسارع الأحداث على مسرحهما بسرعة: اليمن والبحرين. أهميتهما بالنسبة للخليج قرب الأول، وقرابة الثاني. في اليمن ضرورة ملحة وعاجلة لتشكيل مجلس انتقالي يمهد لإجراء انتخابات رئاسية جديدة، ويأخذ في الاعتبار المعطيات الجديدة التي طرأت في أعقاب رحيل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح. كما عليه أن يكون مجلساً انتقاليّاً، وليس انتقائيّاً وإقصائيّاً، على الجميع أن يتذكروا أن الجميع أسهموا بإقصاء الرئيس صالح، وبأنه لولا تكاتف الجهود والمساندة من داخل النظام نفسه، لكانت المسألة أكثر دموية وأعمق شرخاً. على اليمن القادم أن يتعلم من دروس سابقيه، فلا يمن إقصائي بعد اليوم، ولا يمن يكون فيه أهل الجنوب مواطنين من الدرجة الثانية، ولا دويلات على حساب الدولة المركزية وسيادة القانون. المشهد الآخر هو المشهد البحريني، وهو مشهد خليجي بامتياز، وجزء لا يتجزأ من تطورات الشأن الخليجي. في البحرين شرخ طائفي لابد أن نعترف به، وصِدام جرى لا تزال آثاره قائمة وستستمر وتتعمق ما لم يتم تدارك الموقف، ومعالجة الوضع قبل تفاقمه وعودته إلى الصدام الشامل ثانية -لا سمح الله. علينا أن نعترف بأن النتيجة بالبحرين ليس فيها غالب ولامغلوب، وأن الجميع في هذا البلد العزيز، ليس بينهم طرف منتصر على آخر، وعلينا أن نقر بأن التفرج على الاحتقان ليس في مصلحة البحرين ولا أهل الخليج عموماً، وأن قوى خارجية لها مصلحة في بقاء هذا الاحتقان واستمرار الشرخ وتعميقه. لا بديل عن الحوار، هذا هو الشعار الذي يجب أن تردده الأطراف البحرينية كلها، وهو الكلمة التي يجب أن يرضعها شباب المطالبات المشروعة، وأن يغرسها منهج التعليم، وتشيعها وسائل الإعلام، وتترجمها المواقف الرسمية الحكومية. ضروري أن يكون الحوار هو خاتمة كل مطالبة، ونهاية كل مظاهرة، ونتيجة كل جهد شعبي ورسمي لإزالة آثار المرحلة الدامية البغيضة. ليس من متطلبات الحوار فرض الشروط المسبقة، فبعض هذه الشروط وضعت أساساً لعرقلة الحوار، وهي بالتحديد العائق الأساسي لمسيرة الحوار كبديل لغيره. ولنكن واقعيين: إن بديل الحوار غياب الحوار، وبغياب الحوار يسود جهل الأطراف بمواقف بعضها بعضاً، ويصبح كل طرف عرضة للتعبئة والتخوين والتجهيل من قبل أطراف خارجية لاتريد للبحرين ولا لأهلها الخير، وهدفها -بلا مواربة أو مرواغة- هو بقاء الوضع البحريني على ما هو عليه محتقناً، ففي احتقان هذا الجزء من منطقة الخليج، توتر يخدم أغراضها، ويندرج ضمن استراتيجيتها في الهيمنة وتصدير أزماتها. بالحوار البحريني الداخلي قطع للطريق على الخارج، كي لا يترجم الخارج مواقف الأطراف وفق أجنداته، ويذرف دموع التماسيح على من يوهم بأنه "مظلوم" في معادلة التركيبة السياسية البحرينية، بينما واقع الحال أن الكل مظلوم ببقاء الأمور على ما هي عليه، واستمرار جهل الأطراف أو تجهيلها بمواقف بعضها بعضاً المختلفة. إن أهم مبادئ الحوار في كل من اليمن والبحرين أن يكون لدى الأطراف جميعاً إيمان راسخ بأن الحوار قيمة وليس ترفاً، ومخرجاً ومناورة، وأنه خيار استراتيجي لا رجعة عنه، وأن خلاص الجميع يبدأ به ولا ينتهي بصيغة سياسية واحدة يفرضها طرف على آخر، بل يجب أن يكون منهج حياة، وخياراً وطنيّاً يلج الجميع فيه، وهم مؤمنون جميعاً بالمساواة بمواطنتهم كيمنيين أو كبحرينيين، وأن خيار الحوار هو خيار براجماتي وعملي، لا بديل له سوى بالصدام، والصدام بين أبناء الشعب الواحد لن يكون فيه منتصر ومهزوم، فالكل سيخسر، والكل مهزوم في ساحة الاقتتال الداخلي، هكذا علّمتنا، وعلّمنا لبنان، وهكذا يعلمنا العراق يوميّاً.