هل بدأ الحزب الجمهوري يتجه إلى تبني سياسة انعزالية والترويج لها في حملته الانتخابية لعام 2012؟ لاشك أن من السابق لأوانه معرفة أجندة الحزب على وجه الدقة لبعد المسافة الزمنية التي تفصلنا عن الاستحقاقات الرئاسية، وعدم تبلور رؤية جمهورية واضحة في السياسية الخارجية. ولكن مع ذلك، هذا ما يبدو من أجوبة مرشحي الحزب الجمهوري للرئاسة حول الأسئلة المتعلقة بليبيا وأفغانستان التي طرحت عليهم في الأيام الأخيرة، فقد كان لافتاً ألا أحد منهم ساند قرار أوباما الانضمام إلى حملة حلف شمال الأطلسي ضد نظام القذافي، وهو ما عبرت عنه الجمهورية "ميشيل باتشمان" ملخصة الرأي السائد حاليّاً في صفوف الحزب بقولها: "لا توجد مصلحة أميركية حيوية" تدفعنا للتدخل في ليبيا، معيدة ما يتردد في بعض الأوساط من مخاوف قائلة: "نحن لغاية هذه اللحظة لا نعرف من هم هؤلاء الثوار في ليبيا الذين نقوم بمساعدتهم، لاسيما في ظل التقارير التي تشير إلى وجود عناصر من تنظيم «القاعدة» في صفوفهم، فما هي مصلحة أميركا القومية في تمكين التنظيم في شمال إفريقيا؟"! ولم يتأخر رد المرشح الجمهوري الآخر للانتخابات الرئاسية والقيادي البارز في الحزب "نيوت جينجريتش" الذي سارع إلى تأييد "باتشمان" في رأيها مضيفاً: "أعتقد أنه يتعين أن نحث الجنرالات على إيجاد طريقة ما نعيد بها جنودنا إلى أرض الوطن في أسرع وقت ممكن دون مزيد من التدخلات في أماكن أخرى من العالم". وحتى "تيم بولنتي" المرشح الجمهوري الذي ساند في السابق توجيه ضربات جوية للنظام الليبي، بل انتقد إدارة أوباما بسبب استراتيجيتها "الخجولة" وأيد أيضاً في تصريح له يوم الاثنين الماضي استهداف عناصر "القاعدة" في اليمن، فقد فضل عدم الإدلاء برأيه عندما تعلق الأمر بليبيا بعدما تبين أن الاتجاه العام داخل الحزب يسير عكس التدخل. وعلى عكس تردد "بولنتي" كان "رون بول" قاطعاً تماماً في رفضه أي تدخل أميركي ومطالبته بإنهاء العمليات العسكرية الأميركية الخارجية أينما كانت. أما المرشح "ميت رومني" الذي يعد الأوفر حظاً للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية فقد نبه إلى درس مهم في رأيه تتعين الاستفادة منه، على رغم التزامه الصمت طيلة الفترة السابقة، وهو أن "قواتنا من خلال تجربة أفغانستان عليها العودة إلى الديار وعدم السعي إلى خوض حروب استقلال نيابة عن بلدان أخرى"! وباختصار تمثل هذه المواقف التي أبداها مرشحو الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية تغيراً لافتاً في نبرة الحزب التي كانت قد سيطرت عليها قبل عقد، في مجال السياسة الخارجية خاصة، حركة المحافظين الجدد التي كانت من أشد الداعين إلى استخدام القوة لحل المشاكل الدولية وعدم التردد في التدخل الخارجي لدفع الأجندة الأميركية، بل إن النبرة الجديدة اختلفت جوهريّاً مع المرشح الرئاسي السابق للحزب، جون ماكين، الذي خاض سباقاً شرساً مع أوباما وكان من أشد الداعين إلى التدخل في ليبيا لحماية المدنيين والانضمام إلى الأوروبيين لتحقيق هذا الغرض. ولعل الغريب في كل ذلك هو أنه في الوقت الذي توقعنا فيه انتقاد أوباما من اليسار لسياسته في الشرق والأوسط وتدخله في ليبيا نجد أن من يتزعم تلك الانتقادات اليوم هم، للمفارقة "صقور" اليمين في الحزب الجمهوري. ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس"