احتفل مجلس التعاون يوم 25/5/2011 الماضي بالذكرى الثلاثين لقيامه. وكانت لهذا الاحتفال أهمية كبرى، لأنه أتى وسط تحديات خطيرة تهدد الأمن والاستقرار في منطقة الخليج، في وقت تحلُّ فيه أنماط سياسية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة في المنطقة العربية. ولئن كان من أدبيات مجلس التعاون، كما وردت عبر الوكالات الرسمية للدول الأعضاء خلال الاحتفال، أن "أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون قد سعوا منذ البداية لتحقيق أهداف المجلس واضعين نصب أعينهم المواطن الخليجي، الذي هو الثروة الحقيقية التي ترتكز عليها مسيرة البناء والنهضة، والذي يجب أن تُسخّر من أجله جميع الثروات وتستغل الاستغلال الأمثل للنهوض به ورفع مستواه الاجتماعي والعلمي والاقتصادي والثقافي والصحي"، فإن ما حصل على الأرض خلال الثلاثين عاماً الماضية لم يرق إلى طموحات المواطنين، ولم يقترب من هذه العبارة التي توضّح "أهمية" إنسان مجلس التعاون. إننا لا ننكر ما تحقق من إنجازات في اتجاهات التنسيق الأمني والعسكري والاقتصادي والتعليمي والصحي، استناداً إلى النظام الأساسي، ولكن دعونا نخرج من قضية الاتحاد الجمركي، والاتحاد النقدي، والتنسيق الأمني وتحركات "درع الجزيرة" لمساعدة مملكة البحرين في الاستقرار بعد الأحداث الأخيرة، ونناقش قضية الإنسان، الذي هو "الركيزة الأساسية لمسيرة البناء والنهضة" كما جاء في البيان. هل يُستشار الإنسان الخليجي في المشاريع التي تقام هنا وهناك؟! هل لهذا الإنسان رأي في مناهج التعليم -التي تعثرت في الآونة الأخيرة؟! هل يستشار هذا الإنسان في وسائل التحديث في المجتمع؟! هل كل الأطراف الخليجية موافقة على هذه الوسائل؟! وهل لهذا الإنسان دور في تطوير مجلس التعاون أو تحديث القوانين الوطنية التي مضى على بعضها أكثر من ثلاثين عاماً، وبعضها في حاجة إلى مزيد تطوير فيما يتعلق بدعم حقوق الإنسان، حيث حدثت خلال هذه الفترة تحولات كثيرة لعل أهمها تطور وعي هذا الإنسان وزيادة ثقافته وإلمامه بما يدور حوله! إن رفع علم مجلس التعاون إلى جانب أعلام الدول في المنافذ الخليجية بعد ثلاثين عاماً لا يمكن اعتباره إنجازاً في حد ذاته، تماماً كما هو الحال مع تخصيص كابينة أو "كاونتر" لمواطني دول المجلس في المنافذ! لأن ذلك تطور شكلي، لا يمكن أن يصبَّ في تعزيز المواطنة أو تطبيقها على الأرض، لأن إجراءات الجمارك والتفتيش في بعض المنافذ "تنرفز" الإنسان، لأن بعض موظفي الجمارك لا يتحلون بثقافة تؤهلهم للترحيب بالمسافر، بل حتى عدم "نرفزته" وكأنه مخطئ، ناهيك عن تلف بعض المواد الغذائية التي تأخذ وقتاً طويلاً من الإجراءات عند المنافذ البرية. ولطالما اشتكى مواطنون بسطاء من التجار الصغار الذين يحملون تلك البضائع إلى الدول الخليجية الأخرى. صحيح أن لدينا ملفّاً كبيراً بالإنجازات التي حققها المجلس وقد تكررت كثيراً في وسائل الإعلام، ولن نكررها هنا، ولكننا نريد النقلة النوعية نريد آفاقاً جديدة للتعاون يكون الإنسان الخليجي محوراً فيها، وإن لم يكن رسميّاً أو موظفاً في إدارة معينة! وينبغي تعزيز العلاقة -بل وإنشاؤها- مع مؤسسات المجتمع المدني، خصوصاً إثر التفات المجلس -بعد ثلاثين عاماً- إلى قضية حقوق الإنسان. إن تغيّب الشعوب عن المجلس قد ذكرهُ أحد المفكرين الخليجيين للأستاذ عبدالله بشارة الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون في أواسط الثمانينيات! ولم يكن الفكر آنذاك قادراً على استيعاب هذه الفكرة، ولكن اليوم اختلفت الرؤى والتحديات والآمال. ولئن كان الإنسان الخليجي -كما سبق في البيان- هو "الثروة الحقيقية التي ترتكز عليها مسيرة المجلس"، فإننا ما زلنا ننتظر أن يشارك هذا الإنسان ويُشرك في القضايا التي تمسّ حياته وحياة أسرته وأمن وطنه! وكم من المفكرين والعلماء الخليجيين الذين تمت إحالتهم على التقاعد -وهم ثروة وطنية في دول المجلس غير مُستغلة- مستعدون لهذه المشاركة. إن شعوب دول المجلس تدرك أن هذا المجلس هو قدرها الجميل! وأنه من التجارب الناجحة النادرة في العالم العربي، ولكن هذه الشعوب وعت، وأصبح لها رأي في مسيرة المجلس واتجاهاته المستقبلية. ولهذا ينبغي أن تُشرك هذه الشعوب، سواء عبر المجالس النيابية التي تمثل الشعوب، أم عبر مؤسسات المجتمع المدني. وقد اقترحنا سابقاً ضرورة أن تكون هنالك إدارة في مجلس التعاون تعنى بمؤسسات المجتمع المدني! إن حتميات المرحلة المقبلة تقول: لابد من إطلاق الحريات في دول مجلس التعاون، ولعل أهمها حرية التعبير، وكذلك تأكيد حقوق الشعوب التي تنص عليها الدساتير الموضوعة في دول المجلس. وتقول تلك الحتميات: إن التدرج في الديمقراطية أمر حيوي لهذه المنطقة التي شهدت قبل فترة هزات قوية، كادت تسبب كارثة كبيرة في المنطقة. وتقول أيضاً: إن ترشيد الإنفاق، وعلاج البطالة، وازدياد خطر العمالة الوافدة، حيث بلغت في بعض الدول أرقاماً خطيرة، وإنشاء البرلمانات المنتخبة انتخاباً حرّاً، ومحاسبة المفسدين، وفتح ملفات حقوق الإنسان، من الأولويات التي ينبغي أن يلتفت إليها مجلس التعاون؛ ويواجه بعض الدول بها. إننا ندرك أن الأمانة العامة للمجلس في وضع صعب هذه الأيام في ظل التطورات الأخيرة في كل من مملكة البحرين واليمن! وقد بذل الأمين العام للمجلس الدكتور عبداللطيف الزياني جهوداً كبيرة في هذا الاتجاه وعرّض حياته للخطر، ولكن لابد لنا من إزالة الفكرة السابقة عن المجلس بأنه "مجلس حكومات"، ونترجم ما جاء في البيان المذكور من أن "المواطن الخليجي هو الثروة الحقيقية التي ترتكز عليها مسيرة البناء والنهضة"، إلى واقع معيش مع اللحظة، وهذا يتطلب جهوداً كبيرة نحو تحقيق المواطنة الخليجية، ورفع كل المعوقات التي تحول دون هذا التحول، وشعور الإنسان الخليجي بأن كل منطقة الخليج هي وطنه، مقارنة بالأجانب الذين تفتح لهم أبواب الرزق الواسعة، ويحظون برواتب خيالية، في ظل "إزاحة" المواطنين في بعض الدول! لقد ظل مجلس التعاون خلال الثلاثين عاماً مجلساً "فوقيّاً" لا دخلَ للشعوب فيه، حيث تتفاجأ الشعوب وتندهش -بعد كل مرحلة- بجديد ومثير، ولعل ضم الأردن ودعوة المغرب لعضوية المجلس من أمثال تلك المفاجآت! وطالما أن البيان المذكور جاء بذلك الاعتراف بأهمية الإنسان الخليجي فلابد من وضع معايير جديدة يقتنع بها الجميع لتفعيل هذا الاعتراف، وإثبات أن هذا المجلس هو الملاذ الآمن لكل شعوب مجلس التعاون.