الإمارات اتخذت قرارها الواضح ووقفت إلى جانب الشعب الليبي في محنته وفي ثورته من أجل التخلص من نظام القذافي، وفي مقابل موقف الإمارات وبعض الدول في تأييد المجلس الانتقالي والاعتراف به ممثلًا عن الشعب الليبي، تبقى مواقف دول عربية تجاه ما يحدث في ليبيا غير محسومة إلى اليوم، والسبب غير معروف وغير واضح على الرغم من أن دولاً غربية اعترفت بالمجلس، وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة حددت موقفها من النظام الليبي وعلى الرغم من أن المجلس الانتقالي بأمس الحاجة إلى الدعم العربي أكثر من حاجته إلى الدعم الدولي. الموقف العربي تجاه سوريا لا يختلف كثيراً، فالشعب العربي السوري يعيش واحدة من أكبر محنه، بعد أن أصبحت أكثر مدن سوريا مشتعلة بين مواطنين غاضبين بسبب طريقة تعامل أجهزة النظام معهم ومناوئين للنظام ومطالبين بالتغيير... سوريا اليوم لا تنتظر الولايات المتحدة الأميركية ولا الاتحاد الأوروبي ولا حتى الجارة تركيا، سوريا فقط تنتظر العرب كي يقفوا إلى جانبها في محنتها ويخرجوها من الأزمة الطاحنة والقاتلة بين الشعب والنظام ?، فماذا ينتظر العرب من سوريا كي يتحركوا؟? ? ?الموقف العربي المكتفي بالتفرج على ما يجري لم يعد مقبولاً، وخصوصاً بعد أن تطور الأمر، وأصبح تدخل الجيش بشكل واضح في المدن واستخدام الأسلحة الثقيلة والطائرات في قمع المظاهرات... ?إن إعلان موقف عربي واضح وصريح يجب ألا يكون متأخراً، وهذا واجب إنساني وأخلاقي تجاه شعب له حق علينا، كما لا يمكن السكوت عن قتل المدنيين والأطفال والنساء وعن نزوح آلاف المدنيين هرباً من القتل وتحولهم إلى لاجئين في دول أخرى. التأخر العربي عن سوريا لن يكون مفيداً بل سيكون مضراً...ولا أحد يريد تكرار السيناريو العراقي في 2003، عندما استغرق العرب طويلاً في موقفهم المتفرج، ففتحت أبواب العراق أمام إيران التي دخلت بكل قوتها لدرجة أنها تكاد تسيطر على مفاصل الحياة السياسية في العراق... ومع فارق التشبيه بين إيران وتركيا، إلا أن الفراغ الذي يخلفه الغياب العربي في سوريا سيؤدي إلى أن تسد تركيا هذا الفراغ -الطبيعة لا تعترف به- فلا بد أن يمتلئ الفراغ بأي أحد أو بأي شيء. ليس من مصلحة العرب -كما أنه ليس من مصلحة تركيا- أن يتدخل غير العرب في هذا الصراع، كما أن من المهم أن يدرك جميع الأطراف أنه إذا كانت أبواب الإصلاح والحوار ما تزال مفتوحة حتى اليوم، فهي لن تبقى مفتوحة إلى الأبد، بل إن استمرار تدهور الأوضاع بالوتيرة التي نراها يعني أن لا مجال للعودة إلى نقاط التقاء، لذا فإن التدخل العربي لإنقاذ الوضع داخل سوريا مطلب مهم وملّح?.? الدول الغربية أخذت وقتاً وهي تتفرج أيضاً حتى ظهر بعضها ليعلن موقفه مما يحدث وتستنكر وتطالب.. وهذا قد لا يكون غريباً لأن مواقف الغرب مرتبطة بشكل مباشر بمصالحها، لكن الغريب والمريب هو موقف نصرالله الذي لم نسمع منه كلمة حق، فأصاب حزبه بخيبة أمل كبيرة، فأين ذهب من يدافع عن الشعوب والحقوق، وأين من تكلم مراراً عن الشعب السوري العظيم؟ أليس هذا هو الشعب الذي كان يتكلم عنه أم أنه شعب آخر لا نعرفه ولا يعرفه؟! لقد رفع نصر الله صوته وسل سيفه مدافعاً عن حق الشعب البحريني رغم أنه بعيد عنه ولا يعرف ما يحدث عنده! أما الشعب السوري الذي لا يبعد عنه سوى خطوات والذي قتل منه حسب أرقام المنظمات الدولية أكثر من ألف وهناك آلاف الجرحى والمفقودين فضلاً عن المقابر الجماعية التي تم اكتشافها منذ أيام... كل ذلك ولا كلمة حق من الحزب المقاوم؟! العالم بأسره شاهدٌ على أن الاحتجاجات بدأت سلمية وشعبية وتلقائية، لا أحزاب ولا تنظيمات ولا طوائف ولا عشائر ولا مسلحين كانوا وراء اندلاع الغضب في سوريا، فما الذي حول الأحداث بهذه الدموية لدرجة أننا أصبحنا نسمع عن اكتشاف مقابر جماعية؟! النظام السوري يُصر على أن من يفتعل المشاكل هم "مسلحون" وليسوا مواطنين وعاديين.. وهذا الكلام جعل كثير من المراقبين للوضع السوري يبذلون جهداً كبيراً كي يقتنعوا بأن من يقترف تلك المجازر هم "مسلحون” ... لكن النتيجة هي أنه ليس من دليل يقنع بذلك فالنظام السوري لم يقدم أي دليل على أن من يقوم بتلك الجرائم هم "مسلحون"، ولم يحدد حتى الآن من هم أولئك "المسلحون"! وإذا كان صادقاً في مسألة وجود "مسلحين"، فإن سؤالاً مهماً يطرح نفسه، وهو كيف ومن أين ظهر كل أولئك المسلحين وكيف ومتى شكلوا ونظموا أنفسهم بهذا الشكل؟! كما أن الوضع الحالي يكشف عجز النظام في التعامل مع المسلحين إن كانوا فعلًا موجودين على الأرض! والحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها هي أن النظام السوري في طريقه إلى المجهول إذا لم يستطع أن يتدارك نفسه ويدير الأزمة بشكل أفضل. في خضم "الربيع العربي" ربما أدركت الدول العربية التي لا تمارس الديكتاتورية، ولا تعاني من مشكلات مزمنة أن وجود ديكتاتوريات فاعلة -صغيرة أو كبيرة- حولها يضر بها ويؤثر على أمنها وعلى استقرارها وعلى اقتصادها وعلى مستقبلها، بالتالي من الحكمة أن يتم التخلص من تلك الديكتاتوريات، ومساعدة شعوب تلك الدول على إيجاد أنظمة حكم صالحة تمارس السلطة بشكل عادل. هناك أنظمة لا يمكن أن تتجاوز "الربيع العربي" بسلام، فزوالها محتوم بحكم الوضع الراهن وبحكم طبيعتها التي لا يمكن أن تتماشى مع المرحلة الجديدة وتغيراتها، فهذه الأنظمة لا يمكن الرهان عليها وبالتالي التعامل معها على أنها راحلة يعتبر أمراً منطقياً، ومساعدتها على الرحيل بشكل هادئ وبأقل قدر من الخسائر المادية البشرية هو ما يجب العمل عليه.