أعلنت دولة الإمارات، بداية هذا الأسبوع، اعترافها بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي. هذا تأكيد على أن نهج الإمارات الإنساني لم يتغير. وهو نهج لازم الدولة منذ نشأتها ولايزال على حاله. وضع أسسه المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان مؤسس الإمارات. وأصبحت الإمارات في الوقت الحالي "كلمة السر" في كل المعادلات السياسية الصعبة في المنطقة. وباتت دول الخليج هي التي تقود العمل العربي. وهذا الموقف الإماراتي يُترجم سياسة الإمارات ومواقفها إلى جانب الشعوب، ويؤكد تحملها مسؤولياتها التاريخية. من حيث المنطق لا يمكن الاكتفاء بالتفرج على مذابح القذافي لشعبه والسكوت عنها تحت أي مبرر. وواقعياً، فإن نظام القذافي فقد كل التأييد العربي والدولي، وزاد أنه عمل على إفشال كل محاولات إيجاد مخرج سياسي يحفظ له ماء الوجه. بل إن سياسته في التعامل مع الأزمة السياسية لبلاده أبسط ما يقال عنها إنها تسير في الاتجاه المعاكس لكل المبادئ الإنسانية؛ مما أجبر المجتمع الدولي على اتخاذ قرار عدم التعامل معه، حيث رفض أن يستفيد من كل محاولات إنقاذه سياسياً، وأصبح أي رهان عليه نوعاً من المجازفة السياسية. عودتنا الإمارات خلال الأزمات السياسية أن تبرز بمواقفها الشجاعة والصعبة. وعودتنا أيضاً أن مواقفها تجاه القضايا الإنسانية تأخذ بعداً فريداً يجعلها تتميز وتنفرد على بقية المواقف الأخرى؛ فقد رفضت مطلب القذافي بوقف المساعدات الإنسانية للشعب الليبي قبل أربعة أشهر، بل عملت على فتح أكثر من منفذ لتقديم المساعدات هناك، وهو ما يمثل حكمة وقيمة إنسانية عالية، ويؤكد بُعد نظر الدبلوماسية الإماراتية. وكما أن الصوت الإماراتي، ارتفع قبل عِقد من الزمن عندما طالب صدام حسين بالتنحي خوفاً على العراق وشعبه، فإن المشهد يُكرر نفسه مرة ثانية وترتفع "اللهجة" الإماراتية أكثر وضوحاً وجرأة لتؤكد أنه لا يمكن ترك مصالح الشعوب ومستقبلها تتقاذفها تصرفات ورهانات قادة يركزون على الشعارات السياسية من دون رؤية استراتيجية تتطابق مع الواقع. وأي حديث عن أي محاولة جديدة للتعامل مع القذافي فإن أبسط ما يقال عنه إنه يدل على عدم وجود فهم استراتيجي أو نظرة مستقبلية لتطورات الأحداث. فقد سقطت كل المبررات التي يمكن أن تعطى لزعيم مثله. هذا الموقف ربما لا يرضي العديد من الدول، لكن لأنه ليس من المنطق السكوت عن فظاعة ما يفعله القذافي مع شعبه؛ ولأن التاريخ سيسجل كل المواقف واللحظات السياسية، كان لابد من موقف شجاع. كما أن صراحة الموقف الإماراتي ووضوحه يفسر لنا لجوء جميع السياسيين إلى الإمارات في التعامل مع الأزمات في المنطقة. لأنه في حالات مثل الحالة الليبية الحالية، لا حاجة لمن يدعو إلى إمساك العصا من المنتصف والتزام "الحياد السياسي"؛ بل لابد أن يقف العرب قبل غيرهم ليعبروا عن رفضهم قتل الشعب الليبي. ولعل الشواهد كلها تؤكد أن الإمارات سابقاً وحالياً وأبداً تتحرك من منطلقات إنسانية وأخلاقية وقانونية تراعي مصالح الشعوب وتتعامل بحكمة معها. وما فعلته هو البحث عن رضا الشعب الليبي والاستجابة لمطالبه لأنه الخيار الأفضل. والرهان على الشعوب هو الأبقى في مقابل الأفراد. لاشك أن الموقف الإماراتي يهدف إلى احتواء مضاعفات الوضع الليبي خاصة وتفاقم التأثيرات السلبية على الوضع العربي عامة، بعد أن تكررت المشاهد نفسها في العديد من الدول العربية.