خلال الآونة الأخيرة بُثت مباريات دوري "رولان جاروس" الفرنسي للتنس على شاشات التلفزة في 175 بلداً، حيث تابعه جمهور يمكن تقديره بحوالي 3 مليارات مشاهد، ليشكل بذلك هذا الدوري الحدث الرياضي الفرنسي الأكثر مشاهدة في العالم، متجاوزاً سباق فرنسا للدراجات. اللاعبون على شاكلة"رافاييل نادال"، و"روجي فدرير"، و"نوفاك ديوكوفيتش"، و"ماريا شاربوفا"، و"لي نا" هم بطبيعة الحال رموز وأيقونات "قرية" رولان جاروس، لكنهم رموز وأيقونات أيضاً في قرية أخرى، قرية عالمية، مثلما يمكن أن نصف كوكب الأرض في زمن العولمة. إن لعبة التنس، حسب الموقع الإلكتروني buzzle.com، هو الرياضة الرابعة الأكثر شعبية في العالم، حيث يبلغ عدد محبي هذه الرياضة 1 مليار، وبذلك تصبح خلف كرة القدم (بـ3.5 مليار محب)، والكريكيت (بـ2.5 مليار محب)، والهوكي على العشب (بـ2 مليار محب) - ويمكن أن نلاحظ هنا الوزن الديموغرافي للقارة الآسيوية حيث تحظى هاتان الرياضتان الأخيرتان بشعبية كبيرة وانتشار واسع. والواقع أن انكماش الزمن والفضاء، هو الذي يفسر الانتشار الواسع للتنس، على غرار رموز العولمة الأخرى. فعلى سبيل المثال، كان منظمو دوري أستراليا المفتوح، الذي تم تأسيسه في 1905، يجدون صعوبة كبيرة في جذب اللاعبين الأجانب عندما كانت رحلة السفر من أوروبا إلى أستراليا تستغرق ما لا يقل عن ثلاثة أسابيع عبر البحر. وحتى نهاية عقد السبعينيات، كان لقب الفوز بهذا الدوري مقتصراً على اللاعبين الأستراليين، قبل أن يسمح تطور وسائل النقل الجوي بمشاركة أفضل وأكبر للاعبين واللاعبات في الدوريات الرئيسية. وعلاوة على ذلك، فيمكن القول إن التلفزيون خلق ملعباً هائلاً يستطيع فيه ملايين المشاهدين أخذ مقاعدهم ومشاهدة المباراة بشكل متزامن. وبالتالي، لم تعد ثمة حدود مادية قد تحول دون مشاركة اللاعبين واللاعبات. وهكذا، انطلق التنس لغزو العالم، ولكن بوسائل سلمية. وعلى سبيل المثال، فإن كأس "ديفيس" للتنس، الذي لم تكن تشارك فيه سوى ستة فرق في مطلع القرن العشرين، تنافس فيه على اللقب 50 بلداً في عام 1970، و100 بلد في سنوات التسعينيات، وأكثر من 130 بلداً اليوم. إلا أنه مازال ثمة جهد أكبر يجب أن يبذل؛ إذ مازالت ثمة حاجة إلى تحقيق التعددية القطبية للتنس لأن توزيع القوة مازال محصوراً داخل دائرة مغلقة نسبياً. فالتنس مازال يمارس بالأساس في أوروبا وأميركا وأوقيانوسيا؛ باختصار، في العالم الغربي، حيث تقوم هذه المناطق الثلاث من العالم بتوفير الجزء الأعظم من الفائزين بالدوريات الكبرى للتنس منذ إنشائها. ولئن شرعت بعض بلدان الخليج العربي خلال السنوات الأخيرة في تنظيم دوريات ذات مستوى عالٍ بفضل مواردها وإمكانياتها، فإن أعرقها وأعظمها، ولاسيما دوريات الـ"جران سلام" (الدوريات الأربع للمحترفين: دوري أستراليا المفتوح في ملبرون، ورولان جاروس في باريس، وويمبلدون في لندن، ودوري الولايات المتحدة المفتوح في نيويورك)، مازالت توجد في العالم الأبيض. ذلك أن التنس في أفريقيا مازال غير متطور بسبب الفقر الذي تعاني منه القارة السمراء وغياب البنى التحتية الرياضية الذي يحول دون ظهور مواهب كبيرة. وغني عن البيان هنا أنه لا بد من توافر حد أدنى من المعدات والتجهيزات من أجل لعب مباراة في التنس، معدات يعد الحصول عليها أصعب مقارنة مع تلك اللازمة من أجل العدو أو لعب مباراة في كرة القدم. غير أن الزعامة التي كانت في يوم من الأيام أميركية أو فرنسية أو أسترالية أو انجليزية، باتت اليوم من نصيب لاعبين من سويسرا أو إسبانيا أو الأرجنتين أو روسيا أو صربيا. وفي السياق ذاته، يمكن القول إن اللاعبة الصينية "لي نا"، بفوزها بالدوري النسائي، خلقت المفاجأة وأكدت على ازدياد قوة الصين في آن معا. ومع ذلك، فإذا كان العالم الغربي قد فقد احتكار القوة الاستراتيجية والاقتصادية، فإنه مازال يحافظ عليها في التنس: ذلك أنه من أصل اللاعبين المئة الأوائل العالميين (حسب تصنيف جمعية اللاعبين المحترفين)، فإن 74 لاعباً ينتمون إلى القارة الأوروبية، و19 إلى أميركا، و5 إلى آسيا، في حين ينتمي لاعب واحد فقط إلى أفريقيا أو أوقيانوسيا. والظاهرة نفسها نجدها لدى النساء، حيث تنتمي 74 لاعبة من بين اللاعبات المئة الأول إلى أوروبا، و14 إلى آسيا، و11 إلى أميركا، وواحدة إلى أفريقيا. هذه الهرمية تتطابق مع الوضع الجيوسياسي الذي كان قائماً في العالم قبل الحرب العالمية الأولى، عندما كانت أوروبا كولونيالية وتهيمن على العالم؛ غير أنها لا تنسجم مع التوازن الحالي للقوى الاقتصادية والاستراتيجية. ومما لا شك فيه أن ما سيسمح للتنس بإتمام غزوه للعالم في المستقبل هو الرقي بمستوى عيش عدد كبير من الأشخاص في البلدان الصاعدة، التي تمثل العشرات من دول العالم؛ غير أن هذا الأمر سيستغرق مزيداً من الوقت، وذلك لأن تطور الممارسات الثقافية للشعوب هو أكثر بطئاً مقارنة مع تطور الاقتصادات الوطنية.