هناك أسباب كثيرة تقف وراء ذيوع المثل القائل إن من يعيش في منزل زجاجي يجب ألا يلقي الناس بالحجارة. لأنه إذا فعل ذلك فسيقوم أحد ما، في نهاية المطاف، بإلقاء الحجارة عليه ليجد نفسه محوطاً فجأة بقطع الزجاج المكسّر. وهذا اللفظ الرمزي استدعته إلى ذهني مؤخراً مشاركتي في حلقة دراسية حول تحديات الأمن في جنوب آسيا. وقد جمعت الحلقة الدراسية التي استمرت عشرة أيام مجموعة من الباحثين الباكستانيين والهنود والأفغان للنقاش حول النزاعات المتعددة ومصادر التوتر المتفاقمة عبر المنطقة. وعلى رغم أن المواضيع قيد البحث، كالحروب والمياه والأسلحة وكافة أنواع "الأصول الاستراتيجية"، كانت مشحونة وشائكة وخلافية، فقد حافظ المشاركون، عموماً، على سلوك ودّي ومهني. إلا أن موضوعاً محدداً برز في تعليقات زميل أفغاني، حيث يرى أن خيوط معظم المشاكل في المنطقة يحضر فيها اسم باكستان. وسواء تعلق الأمر بسباق التسلح النووي في المنطقة، وفشل الاستراتيجية العسكرية في الولايات المتحدة، وتحديات الإرهاب، ومشكلة الحكم في أفغانستان، ومعوقات التعاون الإقليمي في التجارة والتنمية، وأعمال الاستكشاف الأفغانية البطيئة والمتعثرة في مجال الطاقة والموارد المعدنية، فالسبب في جميع ذلك، في نظره، هي باكستان. وفي الحقيقة أن السرد الأفغاني حول باكستان مماثل بشكل غريب للوصف الباكستاني لسياسة الولايات المتحدة الخارجية. وبنفس الأسلوب تقريباً، الذي يرى فيه الأفغان يداً باكستانية وراء كافة المشاكل، يتبنّى الباكستانيون أيضاً عن قناعة راسخة وهمٍّ مشحون بوجود دائم وقوة خارقة لأميركا، في كل شاردة وواردة. ولاشك أن لدى الباكستانيين طبعاً، مثل الأفغان، شكاوى مبررة ضد الولايات المتحدة. ويمكن هنا سرد سلسلة طويلة من أوجه الاستياء، عن ظهر قلب. وبالطبع، تماماً مثلما لباكستان طرفها من القصة الموازية للسرد الأفغاني ضدها وضد دورها الإقليمي، وأيضاً دواعي قلقها من أفغانستان، فلدى الولايات المتحدة هي أيضاً تذمّراتها الخاصة ضد ما تعتبره تجاوزات باكستانية. وطبعاً ليست النقطة هنا تكرار الديناميات المعقّدة للروابط الثنائية الباكستانية- الأفغانية والباكستانية- الأميركية، وإنما لإظهار أن كلاً من باكستان وأفغانستان تبدوان وقد تبنّتا سرداً يكرس لعب دور الضحية. وعندما تواجهان التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية المتنامية، فإنهما تضعان اللوم ببساطة على الآخر. وهذا النوع من السرد الذي يضع الذات دائماً في موقع الضحية خطير لعدد من الأسباب، فهو يسمح للحكومات بتحويل المسؤولية عن المشاكل الراهنة والتركيز على الماضي بدلاً من التخطيط للمستقبل. وهو مدمّر عندما يعود الأمر إلى التخطيط الاستراتيجي لأمّة ما لتحديد الأهداف الاستراتيجية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إذ تتعين عليها صياغة رؤية للمستقبل ومتابعتها بنفسها. ولكن إذا كانت الأمّة تعاني من عقدة النقص التي تلازم من يلعب دور الضحية، يصبح تخطيطها الاستراتيجي رد فعل بدلاً من أن يكون فاعلاً ونشطاً. وبدلاً من وضع الأهداف لتحقيقها، تتردد وتنتظر أن يقوم الشرير المعلَن (مثل إسلام آباد أو واشنطن) بتحرك ما. ووقتها فقط يتم التجاوب، وبأسلوب دفاعي كذلك. ونستطيع الآن رؤية مطبّات أزمة عقدة الضحية في كل من باكستان وأفغانستان وهي تظهر وتنمو وتعمل ضمن جهود التفاوض على نهاية اللعبة في أفغانستان. وبدلاً من إعادة تنشيط مجلس السلام الأكبر، الذي وُجِد لعقد محادثات مع "طالبان"، تنتظر كابول لرؤية ما تنظّمه الولايات المتحدة وباكستان كأطر مقبولة للتفاوض. وفي هذه الأثناء، وبدلاً من إعداد سياسة شاملة للانخراط مع أفغانستان في لجان الأمن والسياسة والتجارة، تنتظر إسلام آباد، والرئاسة العامة للجيش الباكستاني، صدور المؤشرات من واشنطن. لقد حان الوقت لتتحمل كل من باكستان وأفغانستان وزر مشاكلهما وصياغة رؤى وطنية تفاعلية. وإلى أن تتجاوزا سرد عقدة الضحية، فلن يتأتى لإسلام آباد وكابول لملمة الحطام وقطع الزجاج المتناثرة من حولهما. هوما يوسف عالمة باكستانية في مركز وودرو ويلسون بواشنطن ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"