قام وزير الدفاع الأميركي في مطلع يونيو الحالي بزيارة للعاصمة الأفغانية كابول حيث تحدث حول الانسحاب من أفغانستان أو عدمه. غير أنه قبل أن يعود إلى الولايات المتحدة توقف في سنغافورة للحديث حول انخراط عسكري أميركي واسع في آسيا، وذلك في إطار خطاب ألقاه في اجتماع للمعهد الدولي للدراسات الدولية تأييداً لـ"حضور عسكري أميركي قوي في آسيا". وقال في هذا الصدد إن أحد "التحديات الأمنية الرئيسية" التي تواجه الولايات المتحدة يتمثل في أن بعض الدول ستسعى إلى الحؤول دون دخولنا إلى آسيا. وقال كذلك إن قادة القوات الجوية والبحرية الأميركية "قلقون بشأن سيناريوهات محاولات منع الولايات المتحدة من دخول بعض المناطق، ويخططون لكيفية التغلب على أي جهد يروم منع حرية الحركة والانتشار الأميركيين دفاعاً عن حلفائنا ومصالحنا الحيوية". وهذا رغم "بعض قصيري النظر" في الداخل من ذوي النزعة الانعزالية، وبعض الأشخاص الذين يشكّون في قوة الأمة الأميركية وتصميمها ويمكن أن لا يدعموا مكانة أميركا كـ"دولة تنتمي إلى منطقة آسيا -المحيط الهادي في القرن الحادي والعشرين"، تفرض نفسها حيثما شاءت، مهما كانت العراقيل. ثم ختم الوزير الأميركي خطابه في سنغافورة بأن قال لأحد السائلين الذي شكك في استمرار إشراف الولايات المتحدة على بحر جنوب الصين وأشياء أخرى في المنطقة تثير قلق الصين وتشغل بالها، مثل العلاقة مع تايوان والمشكلة الكورية الشمالية، إنه مستعد للمراهنة بـ100 دولار بأن تأثير الولايات المتحدة ونفوذها في آسيا سيكون أقوى مما هو عليه حالياً بعد خمس سنوات من اليوم. والواقع أن 100 دولار ليست مبلغاً كبيراً من المال، وبخاصة بالنسبة لرجل مثل جيتس الذي اعتاد إنفاق تريليونات الدولارات على التكاليف العسكرية المرتبطة بنظام القواعد الأميركية العالمية، إضافة إلى إدارة ثلاث حروب بشكل متزامن أو حروب غير منتهية أو حروب مستقبلية، في أفغانستان والعراق وباكستان. وربما لا ينبغي أخذ تلك المراهنة على محمل الجد؛ ذلك أن جيتس يتقاضى راتباً جيداً ولديه القدرة المادية التي تسمح له بخسارة الرهان. إلا أنه يمكن أن يفوز؛ ذلك أن خمس سنوات تمثل فترة قصيرة في حياة إمبراطورية؛ والولايات المتحدة أضحت اليوم إمبراطورية عسكرية ذات نية حسنة حسب الأشخاص الذين يديرونها منذ نهاية الحرب الباردة، سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين. وهي قبل ذلك كانت أشبه بقلعةٍ تركيزُها منصب على تهديد واحد كبير وبضعة من مثيري الشغب المساعدين. أما اليوم، فباتت تبدي اهتماماً بالحروب الحضارية، والأيديولوجيات المثالية، وغلبة الخير ونكران الذات. بيد أن أداء هذه المهمة يعتمد على الشعب الأميركي الذي أظهر أنه يستطيع أن يغيّر فجأة آراء ومواقف أغلبيته. فقد كان مجتمعاً معزولاً وانعزالياً منذ أيام تأسيسه. ورغم حلقات اعتداء صغيرة في المكسيك والحرب القصيرة "الرائعة" مع إسبانيا -حيث كان ينظر إلى هذه الأخيرة في واشنطن وآيوا وأوريجون باعتبارها تمريناً في التوضيح السياسي لمنطقة الكاريبي غير المفهومة ولمحطات الفحم البحرية والبعثات المسيحية في غرب المحيط الهادي- لكن الأمة الأميركية لم تكن ترغب في خوض الحرب حقاً إلا في 1917. فقد فاز ويلسون بالرئاسة عام 1916 بعد حملة رفع فيها شعار "أبقنا بعيداً عن الحرب"، لكنه والأشخاص الذين أتوا من بعده مباشرة قرروا أن خوض الحرب سيكون أمراً رائعاً! وقد تركت الحرب العالمية الثانية الجمهور عازماً العقد على إعادة الجنود إلى الوطن في تسرع متهور، ثم سرعان ما توقف ذلك عندما أصبحت روسيا تشكل تهديداً. كما انتهت حرب فيتنام بتسرع مخز وأكاذيب، حيث تعرض المجندون الذين كانوا قد حاربوا هناك للعقاب على أيدي من هم أعلى منهم رتبة. وبعد ذلك، ضَمن إنشاءُ جيش كل جنوده من المتطوعين أن أشخاصاً مثل ريتشارد تشيني، نائب الرئيس في عهد بوش الابن، لن تقلق راحتهم أولوية من الأولويات الوطنية بعد الآن. فاليوم، بات ممكناً خوض حروب أميركا الدائمة من قبل شركات تسعى للربح، في الغالب دون علم الجمهور، بينما يهتم أعضاء الكونجرس بشؤونهم الخاصة ويتسلمون الظروف من اللوبيات في واشنطن. لكن ماذا لو استيقظ الناس من سباتهم وأدركوا ماذا يحدث؟ الواقع أن هذا ليس أمراً مستحيلاً. فالمؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الدفاع الأميركي في سنغافورة الأسبوع الماضي كان حافلاً بأسئلة ذات محتوى وحيد تقريباً: هل ستقومون بحمايتنا إذ ما هددتنا الصين؟ ولهذا السبب في الواقع يلقي الوزير جيتس وقادة الجيش كل تلك الخطابات حول "إمكانية وصول الولايات المتحدة للمنطقة" وسيناريوهات "المناطق الممنوع دخولها"؛ ذلك أنهم يفكرون في خوض حرب ضد الصين. لكن لسائل أن يسأل: ما هو رأي أولئك الصحافيين الآسيويين في هذا الأمر يا ترى؟ وما رأي جمهور أميركي يقظ في ذلك؟ الجنرال دوجلاس ماك آرثر، وهو رجل حنكته الأيام وكان ذا تجربة أوسع من تجربة جيتس، كان ينصح بعدم القيام بذلك. غير أنه إذا ظهر السبب بطل العجب؛ فجيتس على وشك مغادرة الحكومة قريباً! ويليام فاف كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر ترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفيس"