في غمرة انتخابات رئاسية محتدمة جرت منذ نصف قرن ونيف، ذهب المرشح "جون كيندي"، إلى مدينة هيوستن كي يلقي أهم خطاب في حملته الانتخابية. وعلى رغم أنه لم يكن هناك كاثوليكي قد انتخب من قبل للبيت الأبيض، إلا أن "كيندي" المرشح الشاب، وعضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ماساشوسيتس، اختار جمهوراً بروتستانتيّاً في قلب المنطقة المعروفة بـ"حزام الإنجيل" -الاتحاد الكنسي لهيوستن الكبرى- لمعالجة ما يطلق عليه المسألة الدينية. وفيما يلي مقتطفات من الكلمة التي ألقاها هناك: "إنني أومن بأميركا البلد القائم على الفصل التام بين الكنيسة والدولة، الذي لا يقوم فيه أسقف كاثوليكي بإخبار رئيس الجمهورية -إذا ما كان كاثوليكيّاً- كيف يتصرف.. والذي لا يوجد فيه قس بروتستانتي يأمر رعايا أبراشياته بمنح أصواتهم لسياسي معين.. ولا يحرم فيه أي مواطن من تولي أي منصب عمومي لأن دينه يختلف عن دين الرئيس الذي عينه، أو عن دين الناخبين الذين يعطونه أصواتهم... إنني أومن بالرئيس الذي تكون آراؤه عن الدين هي شأنه الخاص، ولا تكون هذه الآراء مفروضة عليه من قبل الأمة، كشرط لتوليه المنصب العمومي". واليوم إذا ما قفز حاكم تكساس "ريك بيري" -كما تشير توقعات متزايدة إلى ذلك- إلى قلب السباق الحالي لاختيار مرشح من الحزب "الجمهوري" لخوض انتخابات الرئاسة القادمة، فإن مدينة "هيوستن" ستكون - وياللمصادفة- هي المدينة التي ستشهد حملته الانتخابية، وستدلنا إلى أي مدى انحدرنا عن ذلك اليوم الذي ألقى فيه "كيندي" كلمته، كما ستدلنا كذلك على التداعيات الناتجة عن هذا الانحدار. وما حدث هو أن "بيري" دعا حكام الولايات المختلفة للانضمام إليه في السادس من أغسطس القادم فيما أطلق عليه "اليوم الوطني للصلاة والصوم" الذي ترعاه مجموعة من رجال الدين البروتستانت الإنجيليين المتطرفين. و"بيري" الذي يحث المشاركين في هذا اليوم على إحضار "إنجيل" أقر كما كتب في موقعه على شبكة الإنترنت، بأن هذه المناسبة التي أطلق عليها اسم "الاستجابة" مناسبة دينية مسيحية بحتة، كما كتب أيضاً في ذلك الموقع أن أمل أميركا "يكمن في السماء، وأننا سنجده من خلال الركوع على ركبنا". إن "بيري" ليس هو السياسي "الجمهوري" الوحيد، الذي يسعى للترشيح من خلال القفز في هذه المياه المعتمة. فقد ذهب الفريق "الجمهوري" برمته إلى واشنطن لاستمالة الحاضرين في مؤتمر "الإيمان والحرية" الذي نظمه "رالف ريد". كما استخدم كل من سارة بالين التي كتبت مقالًا قالت فيه إن كيندي كان مخطئاً في خطابه، والنائبة "ميتشيل باتشمان" ("جمهورية" -مينوسوتا) علاقاتهما الإنجيلية في حملتيهما. إن ما نراه أمامنا يعد تجسيداً لذلك الكلام المبهم الذي ظللنا نسمعه لسنوات مديدة عن إيجاد مكان للدين في الحقل السياسي العام. وذلك يعتبر، من وجهة نظري، كارثة بكافة المقاييس. ففي هذا العام قد يكون هناك كاثوليكي توجه إليه أصابع الاتهام بالمروق، وفي العام القادم قد يكون شخص آخر يهوديّ، أو من طائفة "الكويكر"، أو معمدانيّ، أو قد أكون أنا الضحية اليوم وتكون أنت الضحية غداً، إلى أن يتمزق نسيج أمتنا تماماً، في وقت يتعرض فيه وطننا لمخاطر جمة. تيم روتن كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي إنترناشيونال"