انتشرت دعوات الإصلاح في الأوساط العثمانية المختلفة خلال القرن التاسع عشر، وكانت الدعوة إلى تحديث اللغة والأدب وإطلاق حرية الصحافة والفكر من أبرز اهتمامات النخبة العثمانية السياسية والمثقفة. فقد كانت الإمبراطورية العثمانية، يقول د. سيار الجميل، "قد وصلت إلى أوج قوتها العسكرية وثرائها الاقتصادي ومداها الجغرافي في القرن السادس عشر، ولكنها بدأت تواجه مشاكل خطيرة، وعلى مختلف الصعد بعد عام 1683م، إثر فشل حصارها الثاني لـ"فيينا" عاصمة الهابسبورك النمساوية، فتراكمت تناقضاتها وتعقيداتها خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر". اهتم المصلحون كما هي العادة بالتعليم اهتماماً خاصاً، كما أولوا ترويج العلوم الحديثة عناية أساسية. فصدرت عام 1845 إرادة سلطانية بتأسيس جمعية للمعارف أو "أنجُمَن دانِش"، كمجمع على نمط الأكاديمية الفرنسية، وضمت في عضويتها أربعين شخصية تركية إلى جانب بعض المراسلين والأعضاء الآخرين من الأوروبيين المستشرقين، وكان من أهدافها المعلنة تشجيع الثقافة والعلوم والنهوض باللغة التركية. وقد عرقلت السوانح السياسية أعمالها، وسرعان ما اضمحلت دون تحقيق أهدافها باستثناء نشر بعض المؤلفات. وفي عام 1861 تم تأسيس "الجمعية العلمية العثمانية" على غرار الجمعية الملكية البريطانية، وكان أبرز منجزاتها إصدار مجلة علمية كانت أول دورية تركية حديثة في هذا المجال، وظهرت فيها مقالات في التاريخ والجيولوجيا والجغرافيا والفلسفة والعلوم الطبيعية، وأعطت قراءها صورة واضحة عن منجزات الفكر الغربي في هذه المجالات. وقد توقفت مؤقتاً عن الصدور عام 1865 بسبب تفشي وباء الكوليرا، ثم عاودت الصدور، ليصدر السلطان عبدالحميد تعليماته بمنعها عام 1882. بدأت خطوات التغيير والإصلاح في الدولة العثمانية مع السلطان "محمود الثاني"، الذي قام بتصفية فرق الانكشارية العسكرية عام 1826، والتي كانت تعوق تنظيم الجيش العثماني وفق المبادئ الحديثة، وتعارض الاعتماد على مدربين أوروبيين في هذا المجال. ومد محمود الثاني التحديث إلى مجالات أخرى، فألزم مثلاً الموظفين بارتداء الملابس الأوروبية مع لبس الطربوش، وأنشأ وزارتي الداخلية والخارجية على النمط الأوروبي. ومضى ابنه وخليفته السلطان عبدالحميد إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. ففي عام 1839 أمر في اجتماع مهيب لكبار الشخصيات العثمانية والسفراء الأجانب، بتلاوة اللائحة السلطانية لجملة من الإصلاحات تسمى "خط شريف كلخانة"، بمعنى المرسوم السامي للمجلس الأعلى، والتي أعلنت المساواة القانونية بين جميع رعايا الامبراطورية، دون تمييز على أساس الدين أو القومية. ومما له دلالته أن نص اللائحة قد صدر بالتركية والفرنسية في آن واحد، حيث أصبحت هذه اللغة الثانية للامبراطورية، وانتشرت الدراية بها، في صفوف الارستقراطية والمثقفين العثمانيين، كما تم بعد سنوات إرسال مجموعات من الطلبة العثمانيين إلى الغرب لدراسة العلوم والتقنيات. وفي عهد السلطان عبدالحميد كذلك تأسست أول جامعة حديثة في اسطنبول، وانتشرت تدريجياً أساليب الحياة الأوروبية، وبدأت ترجمة المؤلفات الفرنسية وفنون العمارة وتنسيق الحدائق. (تاريخ الدولة العثمانية، جـ2، ص 462). عكست الصحافة العثمانية المرحلة الجديدة من الانفتاح الفكري. وكانت الصحيفة الأولى عام 1831 رسمية، ثم صدرت في عام 1860 أول صحيفة خاصة، مجلة "تصوير أفكار"، التي تميزت بنزعة تقدمية راسخة معتدلة متأثرة بالثقافة الفرنسية. ولم تمر كل هذه الخطوات الإصلاحية والتحديثية دائماً بسلام، فإن هذه التدابير استتبعت مقاومة من جانب رجال الدين، الذين كانوا حتى ذلك الحين المهيمنين على التعليم الأوَليِّ، والذين ظل نفوذهم من دون مس في الريف، وبقي التعليم الديني هو القاعدة بالنسبة للأطفال المسلمين، فيما كانت المدارس الجديدة تقدم من جهة أخرى تعليماً أوروبي النمط. وقد تم افتتاح كلية "دار الفنون" عام 1869، إلا أن نفوذ رجال الدين تسبب في إغلاقها بعد عامين. وتم افتتاح مدرسة الفنون الجميلة عام 1881، غير أن أحد النقاد لاحظ أن منهجها يسير وفق معاهد الفنون الجميلة في فرنسا، وأنها تتجاهل مثلاً، فنون الزخرفة التركية وتقاليدها العريقة في الخطوط والألوان، في حين تحاول تقليد أكاديميات الفنون الأوروبية وثيماتها، وقد ظهرت مجموعة من اللوحات الفنية الجيدة، ولكنها كانت في الواقع "رسومات فارسية" منتجة في تركيا! وفي عام 1926 أزيح الستار عن تمثال لمصطفى أتاتورك في اسطنبول، من عمل فنان إيطالي، ونُصب تمثالان آخران في أنقرة وتماثيل في مدن أخرى، وكان هذا في نظر بعض النقاد إحياء لفن النحت في تركيا إلى جانب بقية الفنون. وكانت السلطات العثمانية قد دعت عام 1831 أحد الموسيقيين الإيطاليين Giuseppe Donizetti، لتأسيس أول فرقة موسيقية عسكرية والتدريس في المدرسة الموسيقية الملكية التي أسست بأوامر من السلطان. وفي عام 1886، اتجه أول طالب تركي في مجال الموسيقى للدراسة في فرنسا ولحقه طلاب آخرون. وفي عام 1923 تم تأسيس أول معهد للموسيقى في اسطنبول. غير أن إقبال الأتراك على الموسيقى الكلاسيكية الغربية ظل محدوداً لسنوات طويلة. (انظر Lewis، ص 442). وعرفت الامبراطورية العثمانية والشعوب التركية بعض أشكال الفن المسرحي البسيطة، كما استمر الأتراك بعد استيلائهم على الأناضول في ممارسة ألعابهم المسرحية. وبعد تأسيس الامبراطورية العثمانية، وقيام الفرق الصوفية كالمولوية والبكتاشية بإجراء شعائرها الدينية في احتفالات فخمة، ولد نوع من الدراما التمثيلية للتسلية والفن في آن واحد. غير أن أول نص مسرحي تركي، لم يظهر في الدولة العثمانية، يقول الباحث إبراهيم الداقوقي، في كتاب "تركيا المعاصرة"، وإنما ظهر في "معهد الشرقيات"، التابع لجامعة فيينا عندما قام "توماس شابر" T.Chapert بكتابة مسرحية "الحاج بكتاش ولي" باللغة التركية مع خلاصتها باللغة الفرنسية، من أجل تمرين طلبة المعهد المذكور على النطق الصحيح باللغة العثمانية. وبعد عام 1839 قامت الدولة العثمانية بإنشاء المسارح العديدة، لا سيما في المدن الكبرى مثل اسطنبول وبورصة، في جو من التقليد غير المتوازن للمسرح الغربي، ضمن إطار الانبهار بالثقافة الغربية، لأنه كان من الصعب جداً أن يستطيع المجتمع التركي بتقاليده الشرقية، هضم الأفكار والآراء التي تتضمنها المسرحيات الغربية التي كانت تعرض على مسارح اسطنبول". وفي عام 1856، يضيف الباحث، تأسست أول فرقة مسرحية تركية كانت تعرض تمثيلياتها الكوميدية والدرامية في بيوت سراة القوم في العاصمة العثمانية. وبدأت هذه الفرقة بعد عام بعرض تمثيلياتها على الجمهور في مدرسة الأرمن الكاثوليك، وكانت أعمالاً مترجمة. وفي عام 1859 ظهرت أول مسرحية تركية وعنوانها "زواج الشاعر"، التي كتبها الأديب التركي المعروف "شناسي"، ومثلت في العام نفسه في اسطنبول. وقد بدأت المسارح التركية اعتباراً من عام 1869 بعرض المسرحيات التركية بكثرة، مما خلق وعياً مسرحياً لدى الرأي العام، وانتشرت أدبيات المسرح في الصحافة التركية، مما استدعى وجود صحيفة خاصة بالمسرح، فكان ميلاد "جريدة المسرح" Tiyatreo في مارس 1874. ويجمع المؤرخون في تركيا، يقول الباحث على أن إنشاء "دار البدائع" عام 1914، كان اللبنة الأساسية لإنشاء المسرح التركي الحديث بالمواصفات الفنية المطلوبة بعد أن نما الكادر المسرحي في الدولة العثمانية ولا سيما بعد الانقلاب العثماني عام 1908، وأتاح شيئاً من الحرية الفكرية في المجتمع الذي أخذ يجدد نفسه. وقد تأخر نشوء السينما التركية عن المسرح، فكانت محاولاتها الأولى عام 1895، عندما عرض أول فيلم في الدولة العثمانية في اسطنبول. وكان فيلم "سقوط التمثال" عام 1914 أول الأفلام الوثائقية، وفيلما "القبضة" و"الجاسوس" عام 1917 أولى الأفلام الطويلة، وفيلم "المربية" أول الأفلام الروائية التركية، من إخراج "أحمد فهيم أفندي" عام 1919. وكان معدل إنتاج الأفلام التركية نحو الفيلمين سنوياً، ثم قفز بعد الحرب العالمية الثانية إلى 42 فيلماً، بحيث عاشت تركيا في أواخر هذه الفترة، مع نهاية الخمسينيات، "تُخمة سينمائية". وقد تأثرت السينما التركية بالأفلام الاستعراضية المصرية خلال الفترة 1938 - 1945، ثم شهدت فترة 1946 - 1960 سيطرة الأفلام الأميركية، ثم سيطرة اتجاهات دينية وإنسانية واتجاهات أخرى.